Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 82, Ayat: 13-16)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أن الله تعالى لما وصف الكرام الكاتبين لأعمال العباد ذكر أحوال العاملين فقال : { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ } وهو نعيم الجنة { وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ } وهو النار ، وفيه مسألتان : المسألة الأولى : أن القاطعين بوعيد أصحاب الكبائر تمسكوا بهذه الآية ، فقالوا : صاحب الكبيرة فاجر ، والفجار كلهم في الجحيم ، لأن لفظ الجحيم إذا دخل عليه الألف واللام أفاد الاستغراق والكلام في هذه المسألة قد استقصيناه في سورة البقرة ، وههنا نكت زائدة لا بد من ذكرها : قالت الوعيدية حصلت في هذه الآية وجوه دالة على دوام الوعيد أحدها : قوله تعالى : { يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ ٱلدّينِ } ويوم الدين يوم الجزاء ولا وقت إلا ويدخل فيه ، كما تقول يوم الدنيا ويوم الآخرة الثاني : قال الجبائي : لو خصصنا قوله : { وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ } لكان بعض الفجار يصيرون إلى الجنة ولو صاروا إليها لكانوا من الأبرار وهذا يقتضي أن لا يتميز الفجار عن الأبرار ، وذلك باطل لأن الله تعالى ميز بين الأمرين ، فإذن يجب أن لا يدخل الفجار الجنة كما لا يدخل الأبرار النار والثالث : أنه تعالى قال : { وَمَا هُمَ عَنْهَا بِغَائِبِينَ } وهو كقوله : { وَمَا هُم بِخَـٰرِجِينَ مِنْهَا } [ المائدة : 37 ] وإذا لم يكن هناك موت ولا غيبة فليس بعدهما إلا الخلود في النار أبد الآبدين ، ولما كان اسم الفاجر يتناول الكافر والمسلم صاحب الكبيرة ثبت بقاء أصحاب الكبائر أبداً في النار ، وثبت أن الشفاعة للمطيعين لا لأهل الكبائر والجواب عنه : أنا بينا أن دلالة ألفاظ العموم على الاستغراق دلالة ظنية ضعيفة والمسألة قطعية . والتمسك بالدليل الظني في المطلوب القطعي غير جائز ، بل ههنا ما يدل على قولنا : لأن استعمال الجمع المعرف بالألف واللام في المعهود السابق شائع في اللغة ، فيحتمل أن يكون اللفظ ههنا عائداً إلى الكافرين الذين تقدم ذكرهم من المكذبين بيوم الدين ، والكلام في ذلك قد تقدم على سبيل الاستقصاء ، سلمنا أن العموم يفيد القطع ، لكن لا نسلم أن صاحب الكبيرة فاجر ، والدليل عليه قوله تعالى في حق الكفار : { أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْكَفَرَةُ ٱلْفَجَرَةُ } [ عبس : 42 ] فلا يخلو إما أن يكون المراد { أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْكَفَرَةُ } الذين يكونون من جنس الفجرة أو المراد { أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْكَفَرَةُ } وهم { ٱلْفَجَرَةُ } والأول : باطل لأن كل كافر فهو فاجر بالإجماع ، فتقييد الكافر بالكافر الذي يكون من جنس الفجرة عبث ، وإذا بطل هذا القسم بقي الثاني ، وذلك يفيد الحصر ، وإذا دلت هذه الآية على أن الكفار هم الفجرة لا غيرهم ، ثبت أن صاحب الكبيرة ليس بفاجر على الإطلاق ، سلمنا إن الفجار يدخل تحته الكافر والمسلم ، لكن قوله : { وَمَا هُمَ عَنْهَا بِغَائِبِينَ } معناه أن مجموع الفجار لا يكونون غائبين ، ونحن نقول بموجبه : فإن أحد نوعي الفجار وهم الكفار لا يغيبون ، وإذا كان كذلك ثبت أن صدق قولنا إن الفجار بأسرهم لا يغيبون ، يكفي فيه أن لا يغيب الكفار ، فلا حاجة في صدقه إلى أن لا يغيب المسلمون ، سلمنا ذلك لكن قوله : { وَمَا هُمَ عَنْهَا بِغَائِبِينَ } يقتضي كونهم في الحال في الجحيم وذلك كذب ، فلا بد من صرفه عن الظاهر ، فهم يحملونه على أنهم بعد الدخول في الجحيم يصدق عليهم قوله : { وَمَا هُمَ عَنْهَا بِغَائِبِينَ } ونحن نحمل ذلك على أنهم في الحال ليسوا غائبين عن استحقاق الكون في الجحيم ، إلا أن ثبوت الاستحقاق لا ينافي العفو ، سلمنا ذلك لكنه معارض بالدلائل الدالة على العفو وعلى ثبوت الشفاعة لأهل الكبائر ، والترجيح لهذا الجانب ، لأن دليلهم لا بد وأن يتناول جميع الفجار في جميع الأوقات ، وإلا لم يحصل مقصودهم ، ودليلنا يكفي في صحته تناوله لبعض الفجار في بعض الأوقات ، فدليلهم لا بد وأن يكون عاماً ، ودليلنا لا بد وأن يكون خاصاً والخاص مقدم على العام ، والله أعلم . المسألة الثانية : فيه تهديد عظيم للعصاة حكي أن سليمان بن عبد الملك مر بالمدينة وهو يريد مكة ، فقال لأبي حازم : كيف القدوم على الله غداً ؟ قال : أما المحسن فكالغائب يقدم من سفره على أهله ، وأما المسيء فكالآبق يقدم على مولاه ، قال : فبكى ، ثم قال : ليت شعري ما لنا عند الله ! فقال أبو حازم : أعرض عملك على كتاب الله ، قال : في أي مكان من كتاب الله ؟ قال : { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ } وقال جعفر الصادق عليه السلام : النعيم المعرفة والمشاهدة ، والجحيم ظلمات الشهوات وقال بعضهم : النعيم القناعة ، والجحيم الطمع ، وقيل : النعيم التوكل ، والجحيم الحرص ، وقيل : النعيم الاشتغال بالله ، والجحيم الاشتغال بغير الله تعالى . النوع الرابع : من تفاريع الحشر تعظيم يوم القيامة ، وهو قوله تعالى :