Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 82, Ayat: 17-19)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وفيه مسائل : المسألة الأولى : اختلفوا في الخطاب في قوله : { وَمَا أَدْرَاكَ } فقال بعضهم : هو خطاب للكافر على وجه الزجر له ، وقال الأكثرون : إنه خطاب للرسول ، وإنما خاطبه بذلك لأنه ما كان عالماً بذلك قبل الوحي . المسألة الثانية : الجمهور على أن التكرير في قوله : { وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلدّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلدّينِ } لتعظيم ذلك اليوم ، وقال الجبائي : بل هو لفائدة مجددة ، إذ المراد بالأول أهل النار ، والمراد بالثاني أهل الجنة ، كأنه قال : وما أدراك ما يعامل به الفجار في يوم الدين ؟ ثم ما أدراك ما يعامل به الأبرار في يوم الدين ؟ وكرر يوم الدين تعظيماً لما يفعله تعالى من الأمرين بهذين الفريقين . المسألة الثالثة : في : { يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ } قراءتان الرفع والنصب ، أما الرفع ففيه وجهان أحدهما : على البدل من يوم الدين والثاني : أن يكون بإضمار هو فيكون المعنى هو يوم لا تملك ، وأما النصب ففيه وجوه أحدها : بإضمار يدانون لأن الدين يدل عليه وثانيها : بإضمار اذكروا وثالثها : ما ذكره الزجاج يجوز أن يكون في موضع رفع إلا أنه يبنى على الفتح لإضافته إلى قوله : { لاَ تَمْلِكُ } وما أضيف إلى غير المتمكن قد يبنى على الفتح ، وإن كان في موضع رفع أو جر كما قال : @ لم يمنع الشرب منهم غير أن نطقت حمامة في غصون ذات أو قال @@ فبنى غير على الفتح لما أضيف إلى قوله إن نطقت ، قال الواحدي : والذي ذكره الزجاج من البناء على الفتح إنما يجوز عند الخليل وسيبويه ، إذا كانت الإضافة إلى الفعل الماضي ، نحو قولك على حين عاتبت ، أما مع الفعل المستقبل ، فلا يجوز البناء عندهم ، ويجوز ذلك في قول الكوفيين ، وقد ذكرنا هذه المسألة عند قوله : { هَـٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ ٱلصَّـٰدِقِينَ صِدْقُهُمْ } [ المائدة : 119 ] ورابعها : ما ذكره أبو علي وهو أن اليوم لما جرا في أكثر الأمر ظرفاً ترك على حالة الأكثرية ، والدليل عليه إجماع القراء والعرب في قوله : { مّنْهُمُ ٱلصَّـٰلِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذٰلِكَ } [ الأعراف : 168 ] ولا يرفع ذلك أحد . ومما يقوي النصب قوله : { وَمَا أَدْرَاكَ مَا ٱلْقَارِعَةُ * يَوْمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ } [ القارعة : 43 ] وقوله : { يَسْـئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلدّينِ * يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ } [ الذاريات : 1312 ] فالنصب في { يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ } مثل هذا . المسألة الرابعة : تمسكوا في نفي الشفاعة للعصاة بقوله : { يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً } وهو كقوله تعالى : { وَٱتَّقُواْ يَوْمًا لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا } [ البقرة : 48 ] والجواب : عنه قد تقدم في سورة البقرة . المسألة الخامسة : أن أهل الدنيا كانوا يتغلبون على الملك ويعين بعضهم بعضاً في أمور ، ويحمي بعضهم بعضاً ، فإذا كان يوم القيامة بطل ملك بنى الدنيا وزالت رياستهم ، فلا يحمي أحد أحداً ، ولا يغني أحد عن أحد ، ولا يتغلب أحد على ملك ، ونظيره قوله : { وَٱلأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } وقوله : { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدّينِ } [ الفاتحة : 4 ] وهو وعيد عظيم من حيث إنه عرفهم أنه لا يغني عنهم إلا البر والطاعة يومئذ دون سائر ما كان قد يغني عنهم في الدنيا من مال وولد وأعوان وشفعاء . قال الواحدي : والمعنى أن الله تعالى لم يملك في ذلك اليوم أحداً شيئاً من الأمور ، كما ملكهم في دار الدنيا . قال الواسطي : في قوله : { يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً } إشارة إلى فناء غير الله تعالى ، وهناك تذهب الرسالات والكلمات والغايات ، فمن كانت صفته في الدنيا كذلك كانت دنياه أخراه . وأما قوله : { وَٱلأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } فهو إشارة إلى أن البقاء والوجود لله ، والأمر كذلك في الأزل وفي اليوم وفي الآخرة ، ولم يتغير من حال إلى حال ، فالتفاوت عائد إلى أحوال الناظر ، لا إلى أحوال المنظور إليه ، فالكاملون لا تتفاوت أحوالهم بحسب تفاوت الأوقات ، كما قال : لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً ، وكحارثة لما أخبر بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " " كأني أنظر وكأني وكأني " " والله سبحانه وتعالى أعلم . والحمد لله رب العالمين .