Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 84, Ayat: 1-5)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أما انشقاق السماء فقد مر شرحه في مواضع من القرآن ، وعن علي عليه السلام أنها تنشق من المجرة ، أما قوله : { وَأَذِنَتْ لِرَبّهَا } ومعنى أذن له استمع ، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام : " " ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن " " وأنشد أبو عبيدة والمبرد والزجاج قول قعنب : @ صم إذا سمعوا خيراً ذكرت به وإن ذكرت بشر عندهم أذنوا @@ والمعنى أنه لم يوجد في جرم السماء ما يمنع من تأثير قدرة الله تعالى في شقها وتفريق أجزائها ، فكانت في قبول ذلك التأثير كالعبد الطائع الذي إذا ورد عليه الأمر من جهة المالك أنصت له وأذعن ، ولم يمتنع فقوله : { قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ } [ فصلت : 11 ] يدل على نفاذ القدرة في الإيجاد والإبداع من غير ممانعة أصلاً ، وقوله ههنا : { وَأَذِنَتْ لِرَبّهَا } يدل على نفوذ القدرة في التفريق والإعدام والإفناء من غير ممانعة أصلاً ، وأما قوله : { وَحُقَّتْ } فهو من قولك هو محقوق بكذا ، وحقيق به . يعني وهي حقيقة بأن تنقاد ولا تمتنع وذلك لأنه جسم ، وكل جسم فهو ممكن لذاته وكل ممكن لذاته فإن الوجود والعدم بالنسبة إليه على السوية ، وكل ما كان كذلك ، كان ترجيح وجوده على عدمه أو ترجيح عدمه على وجوده ، لا بد وأن يكون بتأثير واجب الوجود وترجيحه فيكون تأثير قدرته في إيجاده ، وإعدامه ، نافذاً سارياً من غير ممانعة أصلاً ، وأما الممكن فليس له إلا القبول والاستعداد ، ومثل هذا الشيء حقيق به أن يكون قابلاً للوجود تارة ، وللعدم أخرى من واجب الوجود ، أما قوله : { وَإِذَا ٱلأَرْضُ مُدَّتْ } ففيه وجهان الأول : أنه مأخوذ من مد الشيء فامتد ، وهو أن تزال حبالها بالنسف كما قال : { وَيَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبّي نَسْفاً } [ طه : 105 ] يسوي ظهرها ، كما قال : { قَاعاً صَفْصَفاً * لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً } [ طه : 107106 ] وعن ابن عباس مدت مد الأديم الكاظمي ، لأن الأديم إذا مد زال كل انثناء فيه واستوى والثاني : أنه مأخوذ من مده بمعنى أمده أي يزاد في سعتها يوم القيامة لوقوف الخلائق عليها للحساب ، واعلم أنه لا بد من الزيادة في وجه الأرض سواء كان ذلك بتمديدها أو بإمدادها ، لأن خلق الأولين والآخرين لما كانوا واقفين يوم القيامة على ظهرها ، فلا بد من الزيادة في طولها وعرضها ، أما قوله : { وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا } فالمعنى أنها لما مدت رمت بما في جوفها من الموتى والكنوز ، وهو كقوله : { وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا } [ الزلزلة : 2 ] { وَإِذَا ٱلْقُبُورُ بُعْثِرَتْ } [ الإنفطار : 4 ] { وَبُعْثِرَ مَا فِى ٱلْقُبُورِ } [ العاديات : 9 ] وكقوله : { أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ كِفَاتاً * أَحْيَاءاً وَأَمْوٰتاً } [ المرسلات : 2625 ] وأما قوله : { وَتَخَلَّتْ } فالمعنى وخلت غاية الخلو حتى لم يبق في باطنها شيء كأنها تكلفت أقصى جهدها في الخلو ، كما يقال : تكرم الكريم ، وترحم الرحيم . إذا بلغا جهدهما في الكرم الرحمة وتكلفاً فوق ما في طبعهما ، واعلم أن التحقيق أن الله تعالى هو الذي أخرج تلك الأشياء من بطن الأرض إلى ظهرها ، لكن الأرض وصفت بذلك على سبيل التوسع ، وأما قوله : { وَأَذِنَتْ لِرَبّهَا وَحُقَّتْ } فقد تقدم تفسيره إلا أن الأول في السماء وهذا في الأرض ، وإذا اختلف وجه الكلام لم يكن تكراراً .