Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 84, Ayat: 6-6)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أن قوله تعالى : { إِذَا ٱلسَّمَاء ٱنشَقَّتْ } [ الإنشقاق : 1 ] إلى قوله : { يا أيها الإنسان } شرط ولا بد له من جزاء واختلفوا فيه على وجوه أحدها : قال صاحب الكشاف : حذف جواب إذاً ليذهب الوهم إلى كل شيء فيكون أدخل في التهويل وثانيها : قال الفراء : إنما ترك الجواب لأن هذا المعنى معروف قد تردد في القرآن معناه فعرف ، ونظيره قوله : { إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } [ القدر : 1 ] ترك ذكر القرآن لأن التصريح به قد تقدم في سائر المواضع وثالثها : قال بعض المحققين : الجواب هو قوله : { فَمُلَـٰقِيهِ } وقوله : { يأَيُّهَا ٱلإِنسَـٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبّكَ كَدْحاً } [ الإنشقاق : 6 ] معترض ، وهو كقول القائل إذا كان كذا وكذا يا أيها الإنسان ترى عند ذلك ما عملت من خير أو شر ، فكذا ههنا . والتقدير إذا كان يوم القيامة لقي الإنسان عمله ورابعها : أن المعنى محمول على التقديم والتأخير فكأنه قيل : يأيها الإنسـان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه إذا السماء انشقت وقامت القيامة وخامسها : قال الكسائي : إن الجواب في قوله : { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ } [ الإنشقاق : 7 ] واعترض في الكلام قوله : { يأَيُّهَا ٱلإِنسَـٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ } والمعنى إذا السماء انشقت ، وكان كذا وكذا من أوتي كتـابه بيمينه فهو كذا ومن أوتي كتابه وراء ظهره فهو كذا ، ونظيره قوله تعالى : { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مّنّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } [ البقرة : 38 ] ، وسادسها : قال القاضي : إن الجواب ما دل عليه قوله : { إِنَّكَ كَادِحٌ } كأنه تعالى قال : يا أيها الإنسان ترى ما عملت فاكدح لذلك اليوم أيها الإنسان لتفوز بالنعيم أما قوله : { يا أيها الإنسان } ففيه قولان : الأول : أن المراد جنس الناس كما يقال : أيها الرجل ، وكلكم ذلك الرجل ، فكذا ههنا . وكأنه خطاب خص به كل واحد من الناس ، قال القفال : وهو أبلغ من العموم لأنه قائم مقام التخصيص على مخاطبة كل واحد منهم على التعيين بخلاف اللفظ العام فإنه لا يكون كذلك والثاني : أن المراد منه رجل بعينه ، وههنا فيه قولان : الأول : أن المراد به محمد صلى الله عليه وسلم والمعنى أنك تكدح في إبلاغ رسالات الله وإرشاد عباده وتحمل الضرر من الكفار ، فأبشر فإنك تلقى الله بهذا العمل وهو غير ضائع عنده الثاني : قال ابن عباس : هو أُبيّ بن خلف ، وكدحه جده واجتهاده في طلب الدنيا ، وإيذاء الرسول عليه السلام ، والإصرار على الكفر ، والأقرب أنه محمول على الجنس لأنه أكثر فائدة ، ولأن قوله : { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ } [ الإنشقاق : 7 ] { وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ } [ الإنشقاق : 10 ] كالنوعين له ، وذلك لا يتم إلا إذا كان جنساً ، أما قوله : { إِنَّكَ كَادِحٌ } فاعلم أن الكدح جهد الناس في العمل والكدح فيه حتى يؤثر فيها من كدح جلده إذا خدشه ، أما قوله : { إِلَىٰ رَبّكَ } ففيه ثلاثة أوجه أحدها : إنك كادح إلى لقاء ربك وهو الموت أي هذا الكدح يستمر ويبقى إلى هذا الزمان ، وأقول في هذا التفسير نكتة لطيفة ، وذلك لأنها تقتضي أن الإنسان لا ينفك في هذه الحياة الدنيوية من أولها إلى آخرها عن الكدح والمشقة والتعب ، ولما كانت كلمة إلى لانتهاء الغاية ، فهي تدل على وجوب انتهاء الكدح والمشقة بانتهاء هذه الحياة ، وأن يكون الحاصل بعد هذه الدنيا محض السعادة والرحمة ، وذلك معقول ، فإن نسبة الآخرة إلى الدنيا كنسبة الدنيا إلى رحم الأم ، فكما صح أن يقال : يا أيها الجنين إنك كادح إلى أن تنفصل من الرحم ، فكان ما بعد الانفصال عن الرحم بالنسبة إلى ما قبله خالصاً عن الكدح والظلمة فنرجوا من فضل الله أن يكون الحال فيما بعد الموت كذلك وثانيهما : قال القفال : التقدير إنك كادح في دنياك كدحاً تصير به إلى ربك فبهذا التأويل حسن استعمال حرف إلى ههنا وثالثها : يحتمل أن يكون دخول إلى على معنى أن الكدح هو السعي ، فكأنه قال : ساع بعملك { إِلَىٰ رَبّكَ } أما قوله تعالى : { فَمُلَـٰقِيهِ } ففيه قولان : الأول : قال الزجاج : فملاق ربك أي ملاق حكمه لا مفر لك منه ، وقال آخرون : الضمير عائد إلى الكدح ، إلا أن الكدح عمل وهو عرض لا يبقى فملاقاته ممتنعة ، فوجب أن يكون المراد ملاقاة الكتاب الذي فيه بيان تلك الأعمال ، ويتأكد هذا التأويل بقوله بعد هذه الآية : { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ } .