Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 87, Ayat: 9-9)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فاعلم أنه تعالى لما تكمل بتيسير جميع مصالح الدنيا والآخرة أمر بدعوة الخلق إلى الحق ، لأن كمال حال الإنسان في أن يتخلق بأخلاق الله سبحانه تاماً وفوق التمام ، فلما صار محمد عليه الصلاة والسلام تاماً بمقتضى قوله : { وَنُيَسّرُكَ لِلْيُسْرَىٰ } [ الأعلى : 8 ] أمر بأن يجعل نفسه فوق التمام بمقتضى قوله : { فَذَكّرْ } لأن التذكير يقتضي تكميل الناقصين وهداية الجاهلين ، ومن كان كذلك كان فياضاً للكمال ، فكان تاماً وفوق التمام ، وههنا سؤالات : السؤال الأول : أنه عليه السلام كان مبعوثاً إلى الكل فيجب عليه أن يذكرهم سواء نفعتهم الذكرى أو لم تنفعهم ، فما المراد من تعليقه على الشرط في قوله : { إِن نَّفَعَتِ ٱلذّكْرَىٰ } ؟ الجواب : أن المعلق بأن على الشيء لا يلزم أن يكون عدماً عند عدم ذلك الشيء ، ويدل عليه آيات منها هذه الآية ومنها قوله : { وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَـٰتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً } [ النور : 33 ] ومنها قوله : { وَٱشْكُرُواْ للَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } [ البقرة : 172 ] ومنها قوله : { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلوٰةِ إِنْ خِفْتُمْ } [ النساء : 101 ] فإن القصر جائز وإن لم يوجد الخوف ، ومنها قوله : { وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا فَرِهَـٰنٌ } [ البقرة : 283 ] والرهن جائز مع الكتابة ، ومنها قوله : { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ } [ البقرة : 230 ] والمراجعة جائزة بدون هذا الظن ، إذا عرفت هذا فنقول ذكروا لذكر هذا الشرط فوائد إحداها : أن من باشر فعلاً لغرض فلا شك أن الصورة التي علم فيها إفضاء تلك الوسيلة إلى ذلك الغرض ، كان إلى ذلك الفعل أوجب من الصورة التي علم فيها عدم ذلك الإفضاء ، فلذلك قال : { إِن نَّفَعَتِ ٱلذّكْرَىٰ } وثانيها : أنه تعالى ذكر أشرف الحالتين ، ونبه على الأخرى كقوله : { سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } [ النحل : 81 ] والتقدير : { فَذَكّرْ إِن نَّفَعَتِ ٱلذّكْرَىٰ } أو لم تنفع وثالثها : أن المراد منه البعث على الانتفاع بالذكرى ، كما يقول المرء لغيره إذا بين له الحق : قد أوضحت لك إن كنت تعقل فيكون مراده البعث على القبول والانتفاع به ورابعها : أن هذا يجري مجرى تنبيه الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لا تنفعهم الذكرى كما يقال للرجل : ادع فلاناً إن أجابك ، والمعنى وما أراه يجيبك وخامسها : أنه عليه السلام دعاهم إلى الله كثيراً ، وكلما كانت دعوته أكثر كان عتوهم أكثر ، وكان عليه السلام يحترق حسرة على ذلك فقيل له : { وَمَا أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكّرْ بِٱلْقُرْءانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ } [ ق : 45 ] إذ التذكير العام واجب في أول الأمر فأما التكرير فلعله إنما يجب عند رجاء حصول المقصود فلهذا المعنى قيده بهذا الشرط . السؤال الثاني : التعليق بالشرط إنما يحسن في حق من يكون جاهلاً بالعواقب ، أما علام الغيوم فكيف يليق به ذلك ؟ الجواب : روي في الكتب أنه تعالى كان يقول لموسى : { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } [ طه : 44 ] وأنا أشهد أنه لا يتذكر ولا يخشى . فأمر الدعوة والبعثة شيء وعلمه تعالى بالمغيبات وعواقب الأمور غير ولا يمكن بناء أحدهما على الآخر . السؤال الثالث : التذكير المأمور به هل مضبوط مثل أن يذكرهم عشرات مرات ، أو غير مضبوط ، وحينئذ كيف يكون الخروج عن عهدة التكليف ؟ والجواب : أن الضابط فيه هو العرف ، والله أعلم .