Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 101-101)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أنه تعالى شرح أحوال منافقي المدينة ، ثم ذكر بعده أحوال منافقي الأعراب ، ثم بين أن في الأعراب من هو مؤمن صالح مخلص ، ثم بين أن رؤساء المؤمنين من هم ؟ وهم السابقون المهاجرون والأنصار . فذكر في هذه الآية أن جماعة من حول المدينة موصوفون بالنفاق ، وإن كنتم لا تعلمون كونهم كذلك فقال : { وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ ٱلأَعْرَابِ مُنَـٰفِقُونَ } وهم جهينة وأسلم وأشجع وغفار ، وكانوا نازلين حولها . وأما قوله : { وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ } ففيه بحثان : البحث الأول : قال الزجاج : أنه حصل فيه تقديم وتأخير ، والتقدير : وممن حولكم من الأعراب ومن أهل المدينة منافقون مردوا على النفاق . الثاني : قال ابن الأنباري : يجوز أن يكون التقدير : ومن أهل المدينة من مردوا على النفاق فأضمر « من » لدلالة { مِنْ } عليها كما في قوله تعالى : { وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } [ الصافات : 164 ] يريد إلا من له مقام معلوم . البحث الثاني : يقال : مرد يمرد مردوا فهو مارد ومريد إذا عتا ، والمريد من شياطين الإنس والجن ، وقد تمرد علينا أي عتا ، وقال ابن الأعرابي : المراد التطاول بالكبر والمعاصي ، ومنه : { مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ } وأصل المرود الملاسة ، ومنه صرح ممرد ، وغلام أمرد ، والمرداء الرملة التي لا تنبت شيئاً ، كأن من لم يقبل قول غيره ولم يلتفت إليه ، بقي كما كان على صفته الأصلية من غير حدوث تغير فيه ألبتة ، وذلك هو الملاسة . إذا عرفت أصل اللفظ فنقول : قوله : { مَرَدُواْ عَلَى ٱلنّفَاقِ } أي ثبتوا واستمروا فيه ولم يتوبوا عنه . ثم قال تعالى : { لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ } وهو كقوله : { لاَ تَعْلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعْلَمُهُمْ } والمعنى أنهم تمردوا في حرفة النفاق فصاروا فيها أستاذين ، وبلغوا إلى حيث لا تعلم أنت نفاقهم مع قوة خاطرك وصفاء حدسك ونفسك . ثم قال : { سَنُعَذّبُهُم مَّرَّتَيْنِ } وذكروا في تفسير المرتين وجوهاً كثيرة : الوجه الأول : قال ابن عباس رضي الله عنهما : يريد الأمراض في الدنيا ، وعذاب الآخرة ، وذلك أن مرض المؤمن يفيده تكفير السيئات ، ومرض الكافر يفيده زيادة الكفر وكفران النعم . الوجه الثاني : روى السدي عن أنس بن مالك أن النبي عليه السلام قام خطيباً يوم الجمعة فقال : " " اخرج يا فلان فإنك منافق اخرج يا فلان فإنك منافق " " فأخرج من المسجد ناساً وفضحهم فهذا هو العذاب الأول ، والثاني عذاب القبر . والوجه الثالث : قال مجاهد : في الدنيا بالقتل والسبي وبعد ذلك بعذاب القبر . والوجه الرابع : قال قتادة بالدبيلة وعذاب القبر ، وذلك أن النبي عليه السلام أسر إلى حذيفة اثني عشر رجلاً من المنافقين ، وقال : ستة يبتليهم الله بالدبيلة سراج من نار يأخذ أحدهم حتى يخرج من صدره ، وستة يموتون موتاً . والوجه الخامس : قال الحسن : يأخذ الزكاة من أموالهم ، وعذاب القبر . والوجه السادس : قال محمد بن إسحق : هو ما يدخل عليهم من غيظ الإسلام ودخولهم فيه من غير حسنة ، ثم عذابهم في القبور . والوجه السابع : أحد العذابين ضرب الملائكة الوجوه والأدبار . والآخر عند البعث ، يوكل بهم عنق النار . والأولى أن يقال مراتب الحياة ثلاثة : حياة الدنيا ، وحياة القبر ، وحياة القيامة ، فقوله : { سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ } المراد منه عذاب الدنيا بجميع أقسامه ، وعذاب القبر . وقوله : { ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ } المرا دمنه العذاب في الحياة الثالثة ، وهي الحياة في القيامة . ثم قال تعالى في آخر الآية : { ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ } يعني النار المخلدة المؤبدة .