Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 36-36)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أن هذا شرح النوع الثالث من قبائح أعمال اليهود والنصارى والمشركين ، وهو إقدامهم على السعي في تغييرهم أحكام الله ، وذلك لأنه تعالى لما حكم في كل وقت بحكم خاص ، فإذا غيروا تلك الأحكام بسبب النسىء فحينئذ كان ذلك سعياً منهم في تغيير حكم السنة بحسب أهوائهم وآرائهم فكان ذلك زيادة في كفرهم وحسرتهم ، وفي الآية مسائل : المسألة الأولى : اعلم أن السنة عند العرب عبارة عن اثني عشر شهراً من الشهور القمرية ، والدليل عليه هذه الآية وأيضاً قوله تعالى : { هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَاءً وَٱلْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسّنِينَ وَٱلْحِسَابَ } [ يونس : 5 ] فجعل تقدير القمر بالمنازل علة للسنين والحساب ، وذلك إنما يصح إذا كانت السنة معلقة بسير القمر ، وأيضاً قال تعالى : { يَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلأَهِلَّةِ قُلْ هِىَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجّ } [ البقرة : 189 ] وعند سائر الطوائف : عبارة عن المدة التي تدور الشمس فيها دورة تامة ، والسنة القمرية أقل من السنة الشمسية بمقدار معلوم ، وبسبب ذلك النقصان تنتقل الشهور القمرية من فصل إلى فصل ، فيكون الحج واقعاً في الشتاء مرة ، وفي الصيف أخرى ، وكان يشق الأمر عليهم بهذا السبب ، وأيضاً إذا حضروا الحج حضروا للتجارة ، فربما كان ذلك الوقت غير موافق لحضور التجارات من الأطراف ، وكان يخل أسباب تجاراتهم بهذا السبب ، فلهذا السبب أقدموا على عمل الكبيسة على ما هو معلوم في علم الزيجات ، واعتبروا السنة الشمسية ، وعند ذلك بقي زمان الحج مختصاً بوقت واحد معين موافق لمصلحتهم وانتفعوا بتجاراتهم ومصالحهم ، فهذا النسىء وإن كان سبباً لحصول المصالح الدنيوية ، إلا أنه لزم منه تغير حكم الله تعالى ، لأنه تعالى لما خص الحج بأشهر معلومة على التعيين ، وكان بسبب ذلك النسىء ، يقع في سائر الشهور تغير حكم الله وتكليفه . فالحاصل : أنهم لرعاية مصالحهم في الدنيا سعوا في تغيير أحكام الله وإبطال تكليفه ، فلهذا المعنى استوجبوا الذم العظيم في هذه الآية . واعلم أن السنة الشمسية لما كانت زائدة على السنة القمرية جمعوا تلك الزيادة ، فإذا بلغ مقدارها إلى شهر جعلوا تلك السنة ثلاثة عشر شهراً ، فأنكر الله تعالى ذلك عليهم وقال : إن حكم الله أن تكون السنة اثني عشر شهراً لا أقل ولا أزيد ، وتحكمهم على بعض السنين ، أنه صار ثلاثة عشر شهراً حكم واقع على خلاف حكم الله تعالى ، ويوجب تغيير تكاليف الله تعالى ، وكل ذلك على خلاف الدين . واعلم أن مذهب العرب من الزمان الأول أن تكون السنة قمرية لا شمسية ، وهذا حكم تورثوه عن إبراهيم وإسمعيل عليهما الصلاة والسلام فأما عند اليهود والنصارى ، فليس كذلك . ثم إن بعض العرب تعلم صفة الكبيسة من اليهود والنصارى ، فأظهر ذلك في بلاد العرب . المسألة الثانية : قال أبو علي الفارسي : لا يجوز أن يتعلق قوله في كتاب الله بقوله : { عِدَّةَ الشُّهُورِ } لأنه يقتضي الفصل بين الصلة والموصول بالخبر الذي هو قوله : { ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً } وأنه لا يجوز . وأقول في إعراب هذه الآية وجوه : الأول : أن نقول قوله : { عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ } مبتدأ وقوله : { ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً } خبر . وقوله : { عَندَ ٱللَّهِ } في كتاب الله { يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } ظروف أبدل البعض من البعض ، والتقدير : إن عدة الشهور اثنا عشر شهراً عند الله في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض . والفائدة في ذكر هذه الإبدالات المتوالية تقرير أن ذلك العدد واجب متقرر في علم الله ، وفي كتاب الله من أول ما خلق الله تعالى العالم . الثاني : أن يكون قوله تعالى : { فِى كِتَـٰبِ ٱللَّهِ } متعلقاً بمحذوف يكون صفة للخبر تقديره : اثنا عشر شهراً مثبتة في كتاب الله ، ثم لا يجوز أن يكون المراد بهذا الكتاب كتاب من الكتب ، لأنه متعلق بقوله : { يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ } وأسماء الأعيان لا تتعلق بالظروف ، فلا تقول : غلامك يوم الجمعة ، بل الكتاب ههنا مصدر . والتقدير : إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله ، أي في حكمه الواقع يوم خلق السموات . والثالث : أن يكون الكتاب اسماً وقوله : { يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ } متعلق بفعل محذوف والتقدير : إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً مكتوباً في كتاب الله كتبه يوم خلق السموات والأرض . المسألة الثالثة : في تفسير أحكام الآية : { إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ } أي في علمه { ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَـٰبِ ٱللَّهِ } وفي تفسير كتاب الله وجوه : الأول : قال ابن عباس : إن اللوح المحفوظ الذي كتب فيه أحوال مخلوقاته بأسرها على التفصيل ، وهو الأصل للكتب التي أنزلها الله على جميع الأنبياء عليهم السلام . الثاني : قال بعضهم : المراد من الكتاب القرآن ، وقد ذكرنا آيات تدل على أن السنة المعتبرة في دين محمد صلى الله عليه وسلم هي السنة القمرية وإذا كان كذلك كان هذا الحكم مكتوباً في القرآن . الثالث : قال أبو مسلم : { فِى كِتَـٰبِ ٱللَّهِ } أي فيما أوجبه وحكم به ، والكتاب في هذا الموضع هو الحكم والإيجاب ، كقوله تعالى : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ } [ البقرة : 216 ] { كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ } [ البقرة : 178 ] { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ } [ الأنعام : 54 ] قال القاضي : هذا الوجه بعيد ، لأنه تعالى جعل الكتاب في هذه الآية كالظرف ، وإذا حمل الكتاب على الحساب لم يستقم ذلك إلا على طريق المجاز ، ويمكن أن يجاب عنه : بأنه وإن كان مجازاً ، إلا أنه مجاز متعارف يقال : إن الأمر كذا وكذا في حساب فلان وفي حكمه . وأما قوله : { يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } فقد ذكرنا في المسألة الثانية وجوهاً فيما يتعلق به والأقرب ما ذكرناه في الوجه الثالث ، وهو أن يكون المراد أنه كتب هذا الحكم وحكم به يوم خلق السموات والأرض ، والمقصود بيان أن هذا الحكم حكم محكوم به من أول خلق العالم ، وذلك يدل على المبالغة والتأكيد . وأما قوله : { مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ } فقد أجمعوا على أن هذه الأربعة ثلاثة منها سرد ، وهي ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، وواحد فرد ، وهو رجب ، ومعنى الحرم : أن المعصية فيها أشد عقاباً ، والطاعة فيها أكثر ثواباً ، والعرب كانوا يعظمونها جداً حتى لو لقي الرجل قاتل أبيه لم يتعرض له . فإن قيل : أجزاء الزمان متشابهة في الحقيقة ، فما السبب في هذا التمييز ؟ . قلنا : إن هذا المعنى غير مستبعد في الشرائع ، فإن أمثلته كثيرة ألا ترى أنه تعالى ميز البلد الحرام عن سائر البلاد بمزيد الحرمة ، وميز يوم الجمعة عن سائر أيام الأسبوع بمزيد الحرمة ، وميز يوم عرفة عن سائر الأيام بتلك العبادة المخصوصة ، وميز شهر رمضان عن سائر الشهور بمزيد حرمة وهو وجوب الصوم وميز بعض ساعات اليوم بوجوب الصلاة فيها وميز بعض الليالي عن سائرها وهي ليلة القدر ، وميز بعض الأشخاص عن سائر الناس بإعطاء خلعة الرسالة . وإذا كانت هذه الأمثلة ظاهرة مشهورة ، فأي استبعاد في تخصيص بعض الأشهر بمزيد الحرمة ، ثم نقول : لا يبعد أن يعلم الله تعالى أن وقوع الطاعة في هذه الأوقات أكثر تأثيراً في طهارة النفس ، ووقوع المعاصي فيها أقوى تأثيراً في خبث النفس ، وهذا غير مستبعد عند الحكماء ، ألا ترى أن فيهم من صنف كتباً في الأوقات التي ترجى فيها إجابة الدعوات ، وذكروا أن تلك الأوقات المعينة حصلت فيها أسباب توجب ذلك . وسئل النبي عليه الصلاة والسلام : أي الصيام أفضل ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : " " أفضله بعد صيام شهر رمضان صيام شهر الله المحرم " " وقال عليه الصلاة والسلام : " " من صام يوماً من أشهر الله الحرم كان له بكل يوم ثلاثون يوماً " " وكثير من الفقهاء غلظوا الدية على القاتل بسبب وقوع القتل في هذه الاْشهر ، وفيه فائدة أخرى : وهي أن الطباع مجبولة على الظلم والفساد وامتناعهم من هذه القبائح على الإطلاق شاق عليهم ، فالله سبحانه وتعالى خص بعض الأوقات بمزيد التعظيم والاحترام ، وخص بعض الأماكن بمزيد التعظيم والاحترام ، حتى أن الإنسان ربما امتنع في تلك الأزمنة وفي تلك الأمكنة من القبائح والمنكرات ، وذلك يوجب أنواعاً من الفضائل والفوائد : أحدها : أن ترك تلك القبائح في تلك الأوقات أمر مطلوب ، لأنه يقل القبائح . وثانيها : أنه لما تركها في تلك الأوقات فربما صار تركه لها في تلك الأوقات سبباً لميل طبعه إلى الإعراض عنها مطلقاً . وثالثها : أن الإنسان إذا أتى بالطاعات في تلك الأوقات وأعرض عن المعاصي فيها ، فبعد انقضاء تلك الأوقات لو شرع في القبائح والمعاصي صار شروعه فيها سبباً لبطلان ما تحمله من العناء والمشقة في أداء تلك الطاعات في تلك الأوقات ، والظاهر من حال العاقل أن لا يرضى بذلك فيصير ذلك سبباً لاجتنابه عن المعاصي بالكلية ، فهذا هو الحكمة في تخصيص بعض الأوقات وبعض البقاع بمزيد التعظيم والاحترام . ثم قال تعالى : { ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ } وفيه بحثان : البحث الأول : أن قوله : { ذٰلِكَ } إشارة إلى قوله : { إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً } لا أزيد ولا أنقص أو إلى قوله : { مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ } وعندي أن الأول أولى ، لأن الكفار سلموا أن أربعة منها حرم ، إلا أنهم بسبب الكبسة ربما جعلوا السنة ثلاثة عشر شهراً ، وكانوا يغيرون مواقع الشهور ، والمقصود من هذه الآية الرد على هؤلاء ، فوجب حمل اللفظ عليه . البحث الثاني : في تفسير لفظ الدين وجوه : الأول : أن الدين قد يراد به الحساب . يقال : الكيس من دان نفسه أي حاسبها ، والقيم معناه المستقيم فتفسير الآية على هذا التقدير ، ذلك الحساب المستقيم الصحيح والعدل المستوفى . الثاني : قال الحسن : ذلك الدين القيم الذي لا يبدل ولا يغير ، فالقيم ههنا بمعنى القائم الذي لا يبدل ولا يغير ، الدائم الذي لا يزول ، وهو الدين الذي فطر الناس عليه . الثالث : قال بعضهم : المراد أن هذا التعبد هو الدين اللازم في الإسلام . وقال القاضي : حمل لفظ الدين على العبادة أولى من حمله على الحساب ، لأنه مجاز فيه ، ويمكن أن يقال : الأصل في لفظ الدين الانقياد . يقال : يا من دانت له الرقاب ، أي انقادت ، فالحساب يسمى ديناً ، لأنه يوجب الانقياد ، والعدة تسمى ديناً ، فلم يكن حمل هذا اللفظ على التعبد أولى من حمله على الحساب . قال أهل العلم : الواجب على المسلمين بحكم هذه الآية أن يعتبروا في بيوعهم ومدد ديونهم وأحوال زكواتهم وسائر أحكامهم السنة العربية بالأهلة ، ولا يجوز لهم اعتبار السنة العجمية والرومية . ثم قال تعالى : { فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ } وفيه بحثان : البحث الأول : الضمير في قوله : { فِيهِنَّ } فيه قولان : الأول : وهو قول ابن عباس : أن المراد : فلا تظلموا في الشهور الإثني عشر أنفسكم ، والمقصود منع الإنسان من الإقدام على الفساد مطلقاً في جميع العمر . والثاني : وهو قول الأكثرين : أن الضمير في قوله : { فِيهِنَّ } عائد إلى الأربعة الحرم قالوا : والسبب فيه ما ذكرنا أن لبعض الأوقات أثراً في زيادة الثواب على الطاعات والعقاب على المحظورات ، والدليل على أن هذا القول أولى وجوه : الأول : أن الضمير في قوله : { فِيهِنَّ } عائد إلى المذكور السابق فوجب عوده إلى أقرب المذكورات ، وما ذاك إلا قوله : { مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ } الثاني : أن الله تعالى خص هذه الأشهر بمزيد الاحترام في آية أخرى وهو قوله : { ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَـٰتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي ٱلْحَجّ } [ البقرة : 197 ] فهذه الأشياء غير جائزة في غير الحج أيضاً ، إلا أنه تعالى أكد في المنع منها في هذه الأيام تنبيهاً على زيادتها في الشرف . الثالث : قال الفراء : الأولى رجوعها إلى الأربعة ، لأن العرب تقول فيما بين الثلاثة إلى العشرة { فِيهِنَّ } فإذا جاوز هذا العدد قالوا فيها : والأصل فيه أن جمع القلة يكنى عنه كما يكنى عن جماعة مؤنثة ، ويكنى عن جمع الكثرة ، كما يكنى عن واحدة مؤنثة ، كما قال حسان بن ثابت : @ لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى وأسيافنا يقطرن من نجدة دما @@ قال : يلمعن ويقطرن ، لأن الأسياف والجفنات جمع قلة ، ولو جمع جمع الكثرة لقال : تلمع وتقطر ، هذا هو الاختيار ، ثم يجوز إجراء أحدهما مجرى الآخر كقول النابغة : @ ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب @@ فقال بهن والسيوف جمع كثرة . البحث الثاني : في تفسير هذا الظلم أقوال : الأول : المراد منه النسىء الذي كانوا يعملونه فينقلون الحج من الشهر الذي أمر الله بإقامته فيه إلى شهر آخر ، ويغيرون تكاليف الله تعالى . والثاني : أنه نهى عن المقاتلة في هذه الأشهر . والثالث : أنه نهى عن جميع المعاصي بسبب ما ذكرنا أن لهذه الأشهر مزيد أثر في تعظيم الثواب والعقاب ، والأقرب عندي حمله على المنع من النسىء ، لأن الله تعالى ذكره عقيب الآية . ثم قال : { وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَـٰتِلُونَكُمْ كَافَّةً } وفيه مباحث : البحث الأول : قال الفراء : { كَافَّةً } أي جميعاً ، والكافة لا تكون مذكرة ولا مجموعة على عدد الرجال فنقول : كافين ، أو كافات للنساء ولكنها كَافَّةً بالهاء والتوحيد ، لأنها وإن كانت على لفظ فاعلة فإنها في ترتيب مصدر مثل الخاصة والعامة ، ولذلك لم تدخل العرب فيها الألف واللام ، لأنها في مذهب قولك قاموا معاً ، وقاموا جميعاً . وقال الزجاج : كافة منصوب على الحال ، ولا يجوز أن يثنى ولا يجمع ، كما أنك إذا قلت : قاتلوهم عامة ، لم تثن ولم تجمع ، وكذلك خاصة . البحث الثاني : في قوله : { كَافَّةً } قولان : الأول : أن يكون المراد قاتلوهم بأجمعهم مجتمعين على قتالهم ، كما أنهم يقاتلونكم على هذه الصفة ، يريد تعاونوا وتناصروا على ذلك ولا تتخاذلوا ولا تتقاطعوا وكونوا عباد الله مجتمعين متوافقين في مقاتلة الأعداء . والثاني : قال ابن عباس : قاتلوهم بكليتهم ولا تحابوا بعضهم بترك القتال ، كما أنهم يستحلون قتال جميعكم ، والقول الأول أقرب حتى يصح قياس أحد الجانبين على الآخر . البحث الثالث : ظاهر قوله : { قَاتَلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَافَّةً } إباحة قتالهم في جميع الأشهر ، ومن الناس من يقول : المقاتلة مع الكفار محرمة ، بدليل قوله : { مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ } أي فلا تظلموا فيهن أنفسكم باستحلال القتال والغارة فيهن ، وقد ذكرنا هذه المسألة في سورة البقرة في تفسير قوله : { يَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ } [ البقرة : 217 ] . ثم قال : { وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ } يريد مع أوليائه الذين يخشونه في أداء الطاعات والاجتناب عن المحرمات . قال الزجاج : تأويله أنه ضامن لهم النصر .