Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 41-41)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أنه تعالى لما توعد من لا ينفر مع الرسول ، وضرب له من الأمثال ما وصفنا ، أتبعه بهذا الأمر الجزم . فقال : { ٱنْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً } والمراد انفروا سواء كنتم على الصفة التي يخف عليكم الجهاد أو على الصفة التي يثقل ، وهذا الوصف يدخل تحته أقسام كثيرة والمفسرون ذكروها . فالأول : { خِفَافًا } في النفور لنشاطكم له { وَثِقَالاً } عنه ولمشقته عليكم . الثاني : { خِفَافًا } لقلة عيالكم { وَثِقَالاً } لكثرتها . الثالث : { خِفَافًا } من السلاح { وَثِقَالاً } منه . الرابع : ركباناً ومشاة . الخامس : شباناً وشيوخاً . السادس : مهازيل وسمانا . السابع : صحاحاً ومراضاً والصحيح ما ذكرنا إذ الكل داخل فيه لأن الوصف المذكور وصف كلي ، يدخل فيه كل هذه الجزئيات . فإن قيل : أتقولون إن هذا الأمر يتناول جميع الناس حتى المرضى والعاجزين ؟ قلنا : ظاهره يقتضي ذلك عن ابن أم مكتوم أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أعلي أن أنفر ، قال : " " ما أنت إلا خفيف أو ثقيل " " فرجع إلى أهله ولبس سلاحه ووقف بين يديه ، فنزل قوله تعالى : { لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ } [ الفتح : 17 النور : 61 ] وقال مجاهد : إن أبا أيوب شهد بدراً مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولم يتخلف عن غزوات المسلمين ، ويقول : قال الله : { ٱنْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً } فلا أجدني إلا خفيفاً أو ثقيلاً . وعن صفوان بن عمرو قال : كنت والياً على حمص ، فلقيت شيخاً قد سقط حاجباه ، من أهل دمشق على راحلته يريد الغزو ، قلت يا عم أنت معذور عند الله ، فرفع حاجبيه وقال : يا ابن أخي استنفرنا الله خفافاً وثقالاً ، ألا إن من أحبه ابتلاه . وعن الزهري : خرج سعيد بن المسيب إلى الغزو وقد ذهبت إحدى عينيه فقيل له إنك عليل صاحب ضرر ، فقال : استنفر الله الخفيف والثقيل ، فإن عجزت عن الجهاد كثرت السواد وحفظت المتاع . وقيل للمقداد بن الأسود وهو يريد الغزو : أنت معذور ، فقال : أنزل الله علينا في سورة براءة { ٱنْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً } . واعلم أن القائلين بهذا القول الذي قررناه يقولون : هذه الآية صارت منسوخة بقوله تعالى : { لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ } [ الفتح : 17 النور : 61 ] وقال عطاء الخراساني : منسوخة بقوله : { وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً } [ التوبة : 122 ] . ولقائل أن يقول : اتفقوا على أن هذه الآية نزلت في غزوة تبوك ، واتفقوا على أنه عليه الصلاة والسلام خلف النساء وخلف من الرجال أقواماً ، وذلك يدل على أن هذا الوجوب ليس على الأعيان ، لكنه من فروض الكفايات ، فمن أمره الرسول بأن يخرج ، لزمه ذلك خفافاً وثقالاً ، ومن أمره بأن يبقى هناك ، لزمه أن يبقى ويترك النفر . وعلى هذا التقدير : فلا حاجة إلى التزام النسخ . ثم قال تعالى : { وَجَـٰهِدُواْ بِأَمْوٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } وفيه قولان : القول الأول : أن هذا يدل على أن الجهاد إنما يجب على من له المال والنفس ، فدل على أن من لم يكن له نفس سليمة صالحة للجهاد ، ولا مال يتقوى به على تحصيل آلات الجهاد لا يجب عليه الجهاد . والقول الثاني : أن الجهاد يجب بالنفس إذا انفرد وقوي عليه ، وبالمال إذا ضعف عن الجهاد بنفسه ، فيلزم على هذا القول أن من عجز أن ينيب عنه نفراً بنفقة من عنده فيكون مجاهداً بماله لما تعذر عليه بنفسه ، وقد ذهب إلى هذا القول كثير من العلماء . ثم قال تعالى : { ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } . فإن قيل : كيف يصح أن يقال : الجهاد خير من القعود عنه ، ولا خير في القعود عنه . قلنا : الجواب عنه من وجهين : الوجه الأول : أن لفظ { خَيْرٌ } يستعمل في معنيين : أحدهما : بمعنى هذا خير من ذاك . والثاني : بمعنى أنه في نفسه خير كقوله : { إِنّى لِمَا أَنزَلْتَ إِلَىَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } [ القصص : 24 ] وقوله : { وَإِنَّهُ لِحُبّ ٱلْخَيْرِ لَشَدِيدٌ } [ العاديات : 8 ] ويقال : الثريد خير من الله ، أي هو خير في نفسه ، وقد حصل من الله تعالى ، فقوله : { ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ } المراد هذا الثاني ، وعلى هذا الوجه يسقط السؤال . الوجه الثاني : سلمنا أن المراد كونه خيراً من غيره ، إلا أن التقدير : أن ما يستفاد بالجهاد من نعيم الآخرة خير مما يستفيده القاعد عنه من الراحة والدعة والتنعم بهما ، ولذلك قال تعالى : { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } لأن ما يحصل من الخيرات في الآخرة على الجهاد لا يدرك إلا بالتأمل ، ولا يعرفه إلا المؤمن الذي عرف بالدليل أن القول بالقيامة حق ، وأن القول بالثواب والعقاب حق وصدق .