Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 42-42)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أنه تعالى لما بالغ في ترغيبهم في الجهاد في سبيل الله ، وكان قد ذكر قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ } [ التوبة : 38 ] عاد إلى تقرير كونهم متثاقلين ، وبين أن أقواماً ، مع كل ما تقدم من الوعيد والحث على الجهاد ، تخلفوا في غزوة تبوك ، وبين أنه { لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاَّتَّبَعُوكَ } وفي الآية مسائل : المسألة الأولى : العرض ما عرض لك من منافع الدنيا ، يقال : الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر . قال الزجاج : فيه محذوف والتقدير : لو كان المدعو إليه سفراً قاصداً ، فحذف اسم كَانَ لدلالة ما تقدم عليه . وقوله : { وَسَفَرًا قَاصِدًا } قال الزجاج : أي سهلاً قريباً . وإنما قيل لمثل هذا قاصداً ، لأن المتوسط ، بين الإفراط ، والتفريط ، يقال له : مقتصد . قال تعالى : { فَمِنْهُمْ ظَـٰلِمٌ لّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ } [ فاطر : 32 ] وتحقيقه أن المتوسط بين الكثرة والقلة يقصده كل أحد ، فسمي قاصداً ، وتفسير القاصد : ذو قصد ، كقولهم لابن وتامر ورابح . قوله : { وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ ٱلشُّقَّةُ } قال الليث : الشقة بعد مسيره إلى أرض بعيدة يقال : شقة شاقة ، والمعنى : بعدت عليهم الشاقة البعيدة ، والسبب في هذا الاسم أنه شق على الإنسان سلوكها . ونقل صاحب « الكشاف » عن عيسى بن عمر : أنه قرأ { بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ ٱلشُّقَّةُ } بكسر العين والشين . المسألة الثانية : هذه الآية نزلت في المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك ، ومعنى الكلام أنه لو كانت المنافع قريبة والسفر قريباً لاتبعوك طمعاً منهم في الفوز بتلك المنافع ، ولكن طال السفر فكانوا كالآيسين من الفوز بالغنيمة ، بسبب أنهم كانوا يستعظمون غزو الروم ، فلهذا السبب تخلفوا . ثم أخبر الله تعالى أنه إذا رجع من الجهاد يجدهم يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَوِ ٱسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ إما عندما يعاتبهم بسبب التخلف ، وإما ابتداء على طريقة إقامة العذر في التخلف ، ثم بين تعالى أنهم يهلكون أنفسهم بسبب ذلك الكذب والنفاق . وهذا يدل على أن الأيمان الكاذبة توجب الهلاك ، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام : " " اليمين الغموس تدع الديار بلاقع » " " ثم قال : { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ } في قولهم ما كنا نستطيع الخروج ، فإنهم كانوا مستطيعين الخروج . المسألة الثالثة : دلت الآية على أن قوله : { ٱنْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً } إنما يتناول من كان قادراً متمكناً ، إذ عدم الاستطاعة عذر في التخلف . المسألة الرابعة : استدل أبو علي الجبائي بهذه الآية على بطلان أن الاستطاعة مع الفعل ، فقال : لو كانت الاستطاعة مع الفعل لكان من يخرج إلى القتال لم يكن مستطيعاً إلى القتال ، ولو كان الأمر كذلك لكانوا صادقين في قولهم : ما كنا نستطيع ذلك ، ولما كذبهم الله تعالى في هذا القول ، علمنا أن الاستطاعة قبل الفعل . واستدل الكعبي بهذا الوجه أيضاً له ، وسأل نفسه لا يجوز أن يكون المراد به : ما كان لهم زاد ولا راحلة ، وما أرادوا به نفس القدرة . وأجاب : إن كان من لا راحلة له يعذر في ترك الخروج ، فمن لا استطاعة له أولى بالعذر . وأيضاً الظاهر من الاستطاعة قوة البدن دون وجود المال ، وإذا أريد به المال ، فإنما يراد لأنه يعين على ما يفعله الإنسان بقوة البدن ، فلا معنى لترك الحقيقة من غير ضرورة . وأجاب أصحابنا : بأن المعتزلة سلموا أن القدرة على الفعل لا تتقدم على الفعل ، إلا بوقت واحد ، فأما أن تتقدم عليه بأوقات كثيرة فذلك ممتنع ، فإن الإنسان الجالس في المكان لا يكون قادراً في هذا الزمان أن يفعل فعلاً في مكان بعيد عنه ، بل إنما يقدر على أن يفعل فعلاً في المكان الملاصق لمكانه فإذا ثبت أن القدرة عند القوم لا تتقدم الفعل إلا بزمان واحد ، فالقوم الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانوا قادرين على أصول المعتزلة ، فيلزمهم من هذه الآية ما ألزموه علينا ، وعند هذا يجب علينا وعليهم ، أن نحمل الاستطاعة على الزاد والراحلة وحينئذ يسقط الاستدلال . المسألة الخامسة : قالوا الرسول عليه الصلاة والسلام أخبر عنهم أنهم سيحلفون ، وهذا إخبار عن غيب يقع في المستقبل ، والأمر لما وقع كما أخبر ، كان هذا إخباراً عن الغيب ، فكان معجزاً ، والله أعلم .