Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 91, Ayat: 8-8)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فالمعنى المحصل فيه وجهان الأول : أن إلهام الفجور والتقوى ، إفهامها وإعقالهما ، وأن أحدهما حسن والآخر قبيح وتمكينه من اختيار ما شاء منهما ، وهو كقوله : { وَهَدَيْنَـٰهُ ٱلنَّجْدَينِ } [ البلد : 10 ] وهذا تأويل مطابق لمذاهب المعتزلة ، قالوا : ويدل عليه قوله بعد ذلك : { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّـٰهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّـٰهَا } [ الشمس : 109 ] وهذا الوجه مروى عن ابن عباس وعن جمع من أكابر المفسرين والوجه الثاني : أنه تعالى ألهم المؤمن المتقي تقواه وألهم الكافر فجوره ، قال سعيد بن جبير : ألزمها فجورها وتقواها ، وقال ابن زيد : جعل فيها ذلك بتوفيقه إياها للتقوى وخذلانه إياها بالفجور ، واختار الزجاج والواحدي ذلك ، قال الواحدي : التعليم والتعريف والتبيين ، غير والإلهام غير ، فإن الإلهام هو أن يوقع الله في قلب العبد شيئاً ، وإذا أوقع في قلبه شيئاً فقد ألزمه إياه . وأصل معنى الإلهام من قولهم : لهم الشيء ، والتهمه إذا ابتلعه ، وألهمته ذلك الشيء أي أبلغته ، وهذا هو الأصل ثم استعمل ذلك فيما يقذفه الله تعالى في قلب العبد ، لأنه كالإبلاغ ، فالتفسير الموافق لهذا الأصل قول ابن زيد ، وهو صريح في أن الله تعالى خلق في المؤمن تقواه ، وفي الكافر فجوره ، وأما التمسك بقوله : { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّـٰهَا } فضعيف لأن المروي عن سعيد بن جبير وعطاء وعكرمة ومقاتل والكلبي أن المعنى قد أفلحت وسعدت نفس زكاها الله تعالى وأصلحها وطهرها ، والمعنى وفقها للطاعة ، هذا آخر كلام الواحدي وهو تام . وأقول قد ذكرنا أن الآيات الثلاثة ذكرت للدلالة على كونه سبحانه مدبراً للأجسام العلوية والسفلية البسيطة والمركبة ، فههنا لم يبق شيء مما في عالم المحسوسات إلا وقد ثبت بمقتضى ذلك التنبيه أنه واقع بتخليقه وتدبيره ، بقي شيء واحد يختلج في القلب أنه هل هو بقضائه وقدره وهو الأفعال الحيوانية الاختيارية ، فنبه سبحانه بقوله : { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } على أن ذلك أيضاً منه وبه وبقضائه وقدره ، وحينئذ ثبت أن كل ما سوى الله فهو واقع بقضائه وقدره . وداخل تحت إيجاده وتصرفه . ثم الذي يدل عقلاً على أن المراد من قوله : { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } هو الخذلان والتوفيق ما ذكرنا مراراً أن الأفعال الاختيارية موقوفة على حصول الاختيارات ، فحصولها إن كان لا عن فاعل فقد استغنى المحدث عن الفاعل ، وفيه نفي الصانع ، وإن كان عن فاعل هو العبد لزم التسلسل ، وإن كان عن الله فهو المقصود ، وأيضاً فليجرب العاقل نفسه . فإنه ربما كان الإنسان غافلاً عن شيء فتقع صورته في قلبه دفعة ، ويترتب على وقوع تلك الصورة في القلب ميل إليه ، ويترتب على ذلك الميل حركة الأعضاء وصدور الفعل ، وذلك يفيد القطع بأن المراد من قوله : { فَأَلْهَمَهَا } ما ذكرناه لا ما ذكره المعتزلة . أما قوله تعالى :