Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 92, Ayat: 14-16)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

تلظى أي تتوقد وتتلهب وتتوهج ، يقال : تلظت النار تلظياً ، ومنه سميت جهنم لظى ، ثم بين أنها لمن هي بقوله : { لاَ يَصْلَـٰهَا إِلاَّ ٱلأَشْقَى } قال ابن عباس : نزلت في أمية بن خلف وأمثاله الذين كذبوا محمداً والأنبياء قبله ، وقيل : إن الأشقى بمعنى الشقي كما يقال : لست فيها بأوحد أي بواحد ، فالمعنى لا يدخلها إلا الكافر الذي هو شقي لأنه كذب بآيات الله ، وتولى أي أعرض عن طاعة الله . واعلم أن المرجئة يتمسكون بهذه الآية في أنه لا وعيد إلا على الكفار ، قال القاضي : ولا يمكن إجراء هذه الآية على ظاهرها ، ويدل على ذلك ثلاثة أوجه أحدها : أنه يقتضي أن لا يدخل النار إلا الأَشقى الذي كذب وتولى فوجب في الكافر الذي لم يكذب ولم يتول أن لا يدخل النار وثانيها : أن هذا إغراء بالمعاصي ، لأنه بمنزلة أن يقول الله تعالى : لمن صدق بالله ورسوله ولم يكذب ولم يتول : أي معصية أقدمت عليها ، فلن تضرك ، وهذا يتجاوز حد الإغراء إلى أن تصير كالإباحة ، وتعالى الله عن ذلك وثالثها : أن قوله تعالى : من بعد { وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلأَتْقَى } [ الليل : 17 ] يدل على ترك هذا الظاهر لأنه معلوم من حال الفاسق ، أنه ليس بأتقى ، لأن ذلك مبالغة في التقوى ، ومن يرتكب عظائم الكبائر لا يوصف بأنه أتقى ، فإن كان الأول يدل على أن الفاسق لا يدخل النار ، فهذا الثاني يدل على أن الفاسق لا يجنب النار ، وكل مكلف لا يجنب النار ، فلا بد وأن يكون من أهلها ، ولما ثبت أنه لا بد من التأويل ، فنقول : فيه وجهان الأول : أن يكون المراد بقوله : { نَاراً تَلَظَّىٰ } ناراً مخصوصة من النيران ، لأنها دركات لقوله تعالى : { إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ فِى ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ } [ النساء : 145 ] فالآية تدل على أن تلك النار المخصوصة لا يصلاها سوى هذا الأشقى ، ولا تدل على أن الفاسق وغير من هذا صفته من الكفار لا يدخل سائر النيران الثاني : أن المراد بقوله : { نَاراً تَلَظَّىٰ } النيران أجمع ، ويكون المراد بقوله : { لاَ يَصْلَـٰهَا إِلاَّ ٱلأَشْقَى } أي هذا الأشقى به أحق ، وثبوت هذه الزيادة في الاستحقاق غير حاصل إلا لهذا الأشقى . واعلم أن وجوه القاضي ضعيفة . أما قوله أولاً : يلزم في غير هذا الكافر أن لا يدخل النار فجوابه : أن كل كافر لا بد وأن يكون مكذباً للنبي في دعواه ، ويكون متولياً عن النظر في دلالة صدق ذلك النبي ، فيصدق عليه أنه أشقى من سائر العصاة ، وأنه كذب وتولى وإذا كان كل كافر داخلاً في الآية سقط ما قاله القاضي . وأما قوله ثانياً : إن هذا إغراء بالمعصية فضعيف أيضاً ، لأنه يكفي في الزجر عن المعصية حصول الذم في العاجل وحصول غضب الله بمعنى أنه لا يكرمه ولا يعظمه ولا يعطيه الثواب ، ولعله يعذبه بطريق آخر ، فلم يدل دليل على انحصار طريق التعذيب في إدخال النار . وأما قوله ثالثاً : { وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلأَتْقَى } فهذا لا يدل على حال غير الأتقى إلا على سبيل المفهوم ، والتمسك بدليل الخطاب وهو ينكر ذلك فكيف تمسك به ؟ والذي يؤكد هذا أن هذا يقتضي فيمن ليس بأتقى دخول النار ، فيلزم في الصبيان والمجانين أن يدخلوا النار وذلك باطل . وأما قوله رابعاً : المراد منه نار مخصوصة ، وهي النار التي تتلظى فضعيف أيضاً ، لأن قوله : { نَاراً تَلَظَّىٰ } يحتمل أن يكون ذلك صفة لكل النيران ، وأن يكون صفة لنار مخصوصة ، لكنه تعالى وصف كل نار جهنم بهذا الوصف في آية أخرى ، فقال : { كَلاَّ إِنَّهَا لَظَىٰ نَزَّاعَةً لّلشَّوَىٰ } [ المعارج : 15 ] . وأما قوله : المراد إن هذا الأشقى أحق به فضعيف لأنه ترك للظاهر من غير دليل ، فثبت ضعف الوجوه التي ذكرها القاضي ، فإن قيل : فما الجواب عنه على قولكم ، فإنكم لا تقطعون بعدم وعيد الفساق ؟ الجواب : من وجهين : الأول : ما ذكره الواحدي وهو أن معنى : { لاَ يَصْلَـٰهَا } لا يلزمها في حقيقة اللغة ، يقال : صلى الكافر النار إذا لزمها مقاسياً شدتها وحرها ، وعندنا أن هذه الملازمة لا تثبت إلا للكافر ، أما الفاسق فإما أن لا يدخلها أو إن دخلها تخلص منها الثاني : أن يخص عموم هذا الظاهر بالآيات الدالة على وعيد الفساق ، والله أعلم . قوله تعالى :