Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 92, Ayat: 17-19)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

معنى سيجنبها أي سيبعدها ويجعل منها على جانب يقال : جنبته الشيء أي بعدته وجنبته عنه ، وفيه مسألتان : المسألة الأولى : أجمع المفسرون منا على أن المراد منه أبو بكر رضي الله تعالى عنه . واعلم أن الشيعة بأسرهم ينكرون هذه الرواية ، ويقولون : إنها نزلت في حق علي بن أبي طالب عليه السلام والدليل عليه قوله تعالى : { وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } [ المائدة : 55 ] فقوله : { ٱلأَتْقَى * ٱلَّذِى يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ } إشارة إلى ما في الآية من قوله : { يُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } ولما ذكر ذلك بعضهم في محضري قلت : أقيم الدلالة العقلية على أن المراد من هذه الآية أبو بكر وتقريرها : أن المراد من هذا الأتقى هو أفضل الخلق ، فإذا كان كذلك ، وجب أن يكون المراد هو أبو بكر ، فهاتان المقدمتان متى صحتا صح المقصود ، إنما قلنا : إن المراد من هذا الأتقى أفضل الخلق لقوله تعالى : { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَـٰكُمْ } [ الحجرات : 13 ] والأكرم هو الأفضل ، فدل على أن كل من كان أتقى وجب أن يكون أفضل ، فإن قيل : الآية دلت على أن كل من كان أكرم كان أتقى ، وذلك لا يقتضي أن كل من كان أتقى كان أكرم ، قلنا وصف كون الإنسان أتقى معلوم مشاهد ، ووصف كونه أفضل غير معلوم ولا مشاهد ، والإخبار عن المعلوم بغير المعلوم هو الطريق الحسن ، أما عكسه فغير مفيد ، فتقدير الآية كأنه وقعت الشبهة في أن الأكرم عند الله من هو ؟ فقيل : هو الأتقى ، وإذا كان كذلك كان التقدير أتقاكم أكرمكم عند الله ، فثبت أن الأتقى المذكور ههنا لا بد وأن يكون أفضل الخلق عند الله ، فنقول : لا بد وأن يكون المراد به أبا بكر لأن الأمة مجمعة على أن أفضل الخلق بعد رسول الله ، إما أبو بكر أو علي ، ولا يمكن حمل هذه الآية على علي بن أبي طالب ، فتعين حملها على أبي بكر ، وإنما قلنا : إنه لا يمكن حملها على علي بن أبي طالب لأنه قال في صفة هذا الأتقى : { وَمَا لاِحَدٍ عِندَهُ مِن نّعْمَةٍ تُجْزَىٰ } وهذا الوصف لا يصدق على علي بن أبي طالب ، لأنه كان في تربية النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أخذه من أبيه وكان يطعمه ويسقيه ، ويكسوه ، ويربيه ، وكان الرسول منعماً عليه نعمة يجب جزاؤها ، أما أبو بكر فلم يكن للنبي عليه الصلاة والسلام عليه دنيوية ، بل أبو بكر كان ينفق على الرسول عليه السلام بل كان للرسول عليه السلام عليه نعمة الهداية والإرشاد إلى الدين ، إلا أن هذا لا يجزى ، لقوله تعالى : { مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ } [ الفرقان : 57 ] والمذكور ههنا ليس مطلق النعمة بل نعمة تجزى ، فعلمنا أن هذه الآية لا تصلح لعلي بن أبي طالب ، وإذا ثبت أن المراد بهذه الآية من كان أفضل الخلق وثبت أن ذلك الأفضل من الأمة ، إما أبو بكر أو علي ، وثبت أن الآية غير صالحة لعلي ، تعين حملها على أبي بكر رضي الله عنه ، وثبت دلالة الآية أيضاً على أن أبا بكر أفضل الأمة ، وأما الرواية فهي أنه كان بلال عبداً لعبد الله بن جدعان ، فسلح على الأصنام فشكا إليه المشركون فعله ، فوهبه لهم ، ومائة من الإبل ينحرونها لآلهتهم ، فأخذوه وجعلوا يعذبونه في الرمضاء وهو يقول : أحد ، أحد ، فمر به رسول الله ، وقال : ينجيك أحد ، أحد . " " ثم أخبر رسول الله أبا بكر أن بلالاً يعذب في الله : " " فحمل أبو بكر رطلاً من ذهب فابتاعه به ، فقال المشركون : ما فعل ذلك أبو بكر إلا ليد كانت لبلال عنده ، فنزل : { وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نّعْمَةٍ تُجْزَىٰ * إِلاَّ ٱبْتِغَاء وَجْهِ رَبّهِ ٱلأَعْلَىٰ } وقال ابن الزبير وهو على المنبر : كان أبو بكر يشتري الضعفة من العبيد فيعتقهم ، فقال له أبوه : يا بني لو كنت تبتاع من يمنع ظهرك ، فقال : منع ظهري أريد . فنزلت هذه الآية . المسألة الثانية : قال صاحب « الكشاف » في محل : { يَتَزَكَّىٰ } وجهان : إن جعلت بدلاً من يؤتي فلا محل له ، لأنه داخل في حكم الصلة ، والصلات لا محل لها . وإن جعلته حالاً من الضمير في { يُؤْتِي } فمحله النصب .