Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 93, Ayat: 3-3)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه مسائل : المسألة الأولى : قال أبو عبيدة والمبرد : ودعك من التوديع كما يودع المفارق ، وقرىء بالتخفيف أي ما تركك ، والتوديع مبالغة في الوداع ، لأن من ودعك مفارقاً فقد بالغ في تركك والقلى البغض . يقال : قلاه يقليه قلى ومقلية إذا أبغضه ، قال الفراء : يريد وما قلاك ، وفي حذف الكاف وجوه أحدها : حذفت الكاف اكتفاء بالكاف الأولى في ودعك ، ولأن رؤس الآيات بالياء ، فأوجب اتفاق الفواصل حذف الكاف وثانيها : فائدة الإطلاق أنه ما قلاك ولا قلا أحد من أصحابك . ولا أحداً ممن أحبك إلى قيام القيامة ، تقريراً لقوله : « المرء مع من أحب » . المسألة الثانية : قال المفسرون : أبطأ جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم . فقال المشركون : قد قلاه الله وودعه ، فأنزل الله تعالى عليه هذه الآية ، وقال السدي : أبطأ عليه أربعين ليلة فشكا ذلك إلى خديجة ، فقالت : لعل ربك نسيك أو قلاك ، وقيل : إن أم جميل امرأة أبي لهب قالت له : يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك ، وروي عن الحسن أنه قال : أبطأ على الرسول صلى الله عليه وسلم الوحي ، فقال لخديجة : « إن ربي ودعني وقلاني ، يشكو إليها ، فقالت : كلا والذي بعثك بالحق ما ابتدأك الله بهذه الكرامة إلا وهو يريد أن يتمها لك » فنزل : { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ } وطعن الأصوليون في هذه الرواية ، وقالوا : إنه لا يليق بالرسول صلى الله عليه وسلم أن يظن أن الله تعالى ودعه وقلاه ، بل يعلم أن عزل النبي عن النبوة غير جائز في حكمة الله تعالى ، ويعلم أن نزول الوحي يكون بحسب المصلحة ، وربما كان الصلاح تأخيره ، وربما كان خلاف ذلك ، فثبت أن هذا الكلام غير لائق بالرسول عليه الصلاة والسلام ، ثم إن صح ذلك يحمل على أنه كان مقصوده عليه الصلاة والسلام أن يجربها ليعرف قدر علمها ، أو ليعرف الناس قدر علمها ، واختلفوا في قدر مدة انقطاع الوحي ، فقال ابن جريج : اثنا عشر يوماً ، وقال الكلبي : خمسة عشر يوماً ، وقال ابن عباس : خمسة وعشرون يوماً ، وقال السدي ومقاتل : أربعون يوماً ، واختلفوا في سبب احتباس جبريل عليه السلام ، فذكر أكثر المفسرين أن اليهود سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح وذي القرنين وأصحاب الكهف ، فقال : " " سأخبركم غداً ولم يقل إن شاء الله " " فاحتبس عنه الوحي ، وقال ابن زيد : السبب فيه كون جرو في بيته للحسن والحسين ، فلما نزل جبريل عليه السلام ، عاتبه رسول الله عليه الصلاة والسلام ، فقال : « أما علمت أنا لا ندخل بيتاً فيه كلب ولا صورة » وقال جندب بن سفيان : رمى النبي عليه الصلاة بحجر في إصبعه ، فقال : @ هل أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت @@ فأبطأ عنه الوحي ، وروي أنه كان فيهم من لا يقلم الأظفار وههنا سؤالان . السؤال الأول : الروايات التي ذكرتم تدل على أن احتباس الوحي كان عن قلى : قلنا أقصى ما في الباب أن ذلك كان تركاً للأفضل والأولى ، وصاحبه لا يكون ممقوتاً ولا مبغضاً ، وروى أنه عليه الصلاة والسلام قال لجبريل : " " ما جئتني حتى اشتقت إليك ، فقال جبريل : كنت إليك أشوق ولكني عبداً مأموراً " " وتلا : { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبّكَ } [ مريم : 64 ] . السؤال الثاني : كيف يحسن من السلطان أن يقول لأعظم الخلق قربة عنده : إني لا أبغضك تشريفاً له ؟ الجواب : أن ذلك لا يحسن ابتداء ، لكن الأعداء إذا ألقوا في الألسنة أن السلطان يبغضه ، ثم تأسف ذلك المقرب فلا لفظ أقرب إلى تشريفه من أن يقول له : إني لا أبغضك ولا أدعك ، وسوف ترى منزلتك عندي . المسألة الثالثة : هذه الواقعة تدل على أن القرآن من عند الله ، إذ لو كان من عنده لما امتنع .