Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 93, Ayat: 4-4)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

واعلم أن في اتصاله بما تقدم وجوهاً أحدها : أن يكون المعنى أن انقطاع الوحي لا يجوز أن يكون لأنه عزل عن النبوة ، بل أقصى ما في الباب ، أن يكون ذلك لأنه حصل الاستغناء عن الرسالة ، وذلك أمارة الموت فكأنه يقال : انقطاع الوحي متى حصل دل على الموت ، لكن الموت خير لك . فإن مالك عند الله في الآخرة خير وأفضل مما لك في الدنيا وثانيها : لما نزل : { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ } [ الضحى : 3 ] حصل له بهذا تشريف عظيم ، فكأنه استعظم هذا التشريف فقيل له : { وَلَلأَخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ ٱلأُولَىٰ } أي هذا التشريف وإن كان عظيماً إلا أن مالك عند الله في الآخرة خير وأعظم وثالثها : ما يخطر ببالي ، وهو أن يكون المعنى وللأحوال الآتية خير لك من الماضية كأنه تعالى وعده بأنه سيزيده كل يوم عزاً إلى عز ، ومنصباً إلى منصب ، فيقول : لا تظن أني قليتك بل تكون كل يوم يأتي فإني أزيدك منصباً وجلالاً ، وههنا سؤالان : السؤال الأول : بأي طريق يعرف أن الآخرة كانت له خيراً من الأولى ؟ الجواب : لوجوه أحدها : كأنه تعالى يقول له إنك في الدنيا على خير لأنك تفعل فيها ما تريد ، ولكن الآخرة خير لك لأنا نفعل فيها ما نريد وثانيها : الآخرة خير لك يجتمع عندك أمتك إذ الأمة له كالأولاد قال تعالى : { وَأَزْوٰجُهُ أُمَّهَـٰتُهُمْ } [ الأحزاب : 6 ] وهو أب لهم ، وأمته في الجنة فيكون كأن أولاده في الجنة ، ثم سمى الولد قرة أعين ، حيث حكى عنهم : { هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوٰجِنَا وَذُرّيَّـٰتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ } [ الفرقان : 74 ] وثالثها : الآخرة خير لك لأنك اشتريتها ، أما هذه ليست لك ، فعلى تقدير أن لو كانت الآخرة أقل من الدنيا لكانت الآخرة خيراً لك ، لأن مملوكك خير لك مما لا يكون مملوكاً لك ، فكيف ولا نسبة للآخرة إلى الدنيا في الفضل ورابعها : الآخرة خير لك من الأولى لأن في الدنيا الكفار يطعنون فيك أما في الآخرة فأجعل أمتك شهداء على الأمم ، وأجعلك شهيداً على الأنبياء ، ثم أجعل ذاتي شهيداً لك كما قال : { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً * مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ } [ الفتح : 2928 ] وخامسها : أن خيرات الدنيا قليلة مشوبة منقطعة ، ولذات الآخرة كثيرة خالصة دائمة . السؤال الثاني : لم قال : { وَلَلأَخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ } ولم يقل خير لكم ؟ الجواب : لأنه كان في جماعته من كانت الآخرة شراً له ، فلو أنه سبحانه عمم لكان كذباً ، ولو خصص المطيعين بالذكر لافتضح المذنبون والمنافقون . ولهذا السبب قال موسى عليه السلام : { كَلاَّ إِنَّ مَعِىَ رَبّى سَيَهْدِينِ } [ الشعراء : 62 ] وأما محمد صلى الله عليه وسلم فالذي كان معه لما كان من أهل السعادة قطعاً ، لا جرم قال : { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا } [ التوبة : 40 ] إذ لم يكن ثم إلا نبي وصديق ، وروي أن موسى عليه السلام خرج للاستسقاء ، ومعه الألوف ثلاثة أيام فلم يجدوا الإجابة ، فسأل موسى عليه السلام عن السبب الموجب لعدم الإجابة . فقال : لا أجيبكم ما دام معكم ساع بالنميمة ، فسأل موسى من هو ؟ فقال : إني أبغضه فكيف أعمل عمله ، فما مضت مدة قليلة حتى نزل الوحي بأن ذلك النمام قد مات ، وهذه جنازته في مصلى ، كذا فذهب موسى عليه السلام إلى تلك المصلى ، فإذا فيها سبعون من الجنائز ، فهذا ستره على أعدائه فكيف على أوليائه . ثم تأمل فإن فيه دقيقة لطيفة ، وهي أنه عليه السلام قال : " " لولا شيوخ ركع " " وفيه إشارة إلى زيادة فضيلة هذه الأمة ، فإنه تعالى كان يرد الألوف لمذنب واحد ، وههنا يرحم المذنبين لمطيع واحد .