Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 93, Ayat: 7-7)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فاعلم أن بعض الناس ذهب إلى أنه كان كافراً في أول الأمر ، ثم هداه الله وجعله نبياً ، قال الكلبي : { وجدك ضالاً } يعني كافراً في قوم ضلال فهداك للتوحيد ، وقال السدي : كان على دين قومه أربعين سنة ، وقال مجاهد : وجدك ضالاًّ عن الهدى لدينه واحتجوا على ذلك بآيات أخر منها قوله : { مَا كُنتَ تَدْرِى مَا ٱلْكِتَـٰبُ وَلاَ ٱلإِيمَـٰنُ } [ الشورى : 52 ] وقوله : { وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلْغَـٰفِلِينَ } [ يوسف : 3 ] وقوله : { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } [ الزمر : 65 ] فهذا يقتضي صحة ذلك منه ، وإذا دلت هذه الآية على الصحة وجب حمل قوله : { وَوَجَدَكَ ضَالاًّ } عليه ، وأما الجمهور من العلماء فقد اتفقوا على أنه عليه السلام ما كفر بالله لحظة واحدة ، ثم قالت المعتزلة : هذا غير جائز عقلاً لما فيه من التنفير ، وعند أصحابنا هذا غير ممتنع عقلاً لأنه جائز في العقول أن يكون الشخص كافراً فيرزقه الله الإيمان ويكرمه بالنبوة ، إلا أن الدليل السمعي قام على أن هذا الجائز لم يقع وهو قوله تعالى : { مَا ضَلَّ صَـٰحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ } [ النجم : 2 ] ثم ذكروا في تفسير هذه الآية وجوهاً كثيرة أحدها : ما روي عن ابن عباس والحسن والضحاك وشهر بن حوشب : ووجدك ضالاًّ عن معالم النعمة وأحكام الشريعة غافلاً عنها فهداك إليها ، وهو المراد من قوله : { مَا كُنتَ تَدْرِى مَا ٱلْكِتَـٰبُ وَلاَ ٱلإِيمَـٰنُ } [ الشورى : 52 ] وقوله : { وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلْغَـٰفِلِينَ } [ يوسف : 3 ] وثانيها : ضل عن مرضعته حليمة حين أرادت أن ترده إلى جده حتى دخلت إلى هبل وشكت ذلك إليه فتساقطت الأصنام ، وسمعت صوتاً يقول : إنما هلاكنا بيد هذا الصبي ، وفيه حكاية طويلة وثالثها : ما روي مرفوعاً أنه عليه الصلاة والسلام قال : " " ضللت عن جدي عبد المطلب وأنا صبي ضائع ، كاد الجوع يقتلني ، فهداني الله " " ذكره الضحاك ، وذكر تعلقه بأستار الكعبة ، وقوله : @ يا رب رد ولدي محمدا اردده ربي واصطنع عندي يداً @@ فما زال يردد هذا عند البيت حتى أتاه أبو جهل على ناقة وبين يديه محمد وهو يقول : لا ندري ماذا نرى من ابنك ، فقال عبد المطلب ولم ؟ قال : إني أنخت الناقة وأركبته من خلفي فأبت الناقة أن تقوم ، فلما أركبته أمامي قامت الناقة ، كأن الناقة تقول : يا أحمق هو الإمام فكيف يقوم خلف المقتدى ! وقال ابن عباس : رده الله إلى جده بيد عدوه كما فعل بموسى حين حفظه على يد عدوه ورابعها : أنه عليه السلام لما خرج مع غلام خديجة ميسرة أخذ كافر بزمام بعيره حتى ضل ، فأنزل الله تعالى جبريل عليه السلام في صورة آدمي ، فهداه إلى القافلة ، وقيل : إن أبا طالب خرج به إلى الشأم فضل عن الطريق فهداه الله تعالى وخامسها : يقال : ضل الماء في الليل إذا صار مغموراً ، فمعنى الآية كنت مغموراً بين الكفار بمكة فقواك الله تعالى حتى أظهرت دينه وسادسها : العرب تسمي الشجرة الفريدة في الفلاة ضالة ، كأنه تعالى يقول : كانت تلك البلاد كالمفازة ليس فيها شجرة تحمل ثمر الإيمان بالله ومعرفته إلا أنت ، فأنت ، شجرة فريدة في مفازة الجهل فوجدتك ضالاً فهديت بك الخلق ، ونظيره قوله عليه السلام : " " الحكمة ضالة المؤمن " " وسابعها : ووجدك ضالاً عن معرفة الله تعالى حين كنت طفلاً صبياً ، كما قال : { وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مّن بُطُونِ أُمَّهَـٰتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا } [ النحل : 78 ] فخلق فيك العقل والهداية والمعرفة ، والمراد من الضال الخالي عن العلم لا الموصوف بالاعتقاد الخطأ وثامنها : كنت ضالاً عن النبوة ما كنت تطمع في ذلك ولا خطر شيء من ذلك في قلبك ، فإن اليهود والنصارى كانوا يزعمون أن النبوة في بني إسرائيل فهديتك إلى النبوة التي ما كنت تطمع فيها ألبتة وتاسعها : أنه قد يخاطب السيد ، ويكون المراد قومه فقوله : { وَوَجَدَكَ ضَالاًّ } أي وجد قومك ضلالاً ، فهداهم بك وبشرعك وعاشرها : وجدك ضالاًّ عن الضالين منفرداً عنهم مجانباً لدينهم ، فكلما كان بعدك عنهم أشد كان ضلالهم أشد ، فهداك إلى أن اختلطت بهم ودعوتهم إلى الدين المبين الحادي عشر : وجدك ضالاً عن الهجرة ، متحيراً في يد قريش متمنياً فراقهم وكان لا يمكنك الخروج بدون إذنه تعالى ، فلما أذن له ووافقه الصديق عليه وهداه إلى خيمة أم معبد ، وكان ما كان من حديث سراقه ، وظهور القوة في الدين كان ذلك المراد بقوله : { فَهَدَىٰ } ، الثاني عشر : ضالاًّ عن القبلة ، فإنه كان يتمنى أن تجعل الكعبة قبلة له وما كان يعرف أن ذلك هل يحصل له أم لا ، فهداه الله بقوله : { فَلَنُوَلّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا } [ البقرة : 144 ] فكأنه سمى ذلك التحير بالضلال الثالث عشر : أنه حين ظهرها له جبريل عليه السلام في أول أمره ما كان يعرف أهو جبريل أم لا ، وكان يخافه خوفاً شديداً ، وربما أراد أن يلقي نفسه من الجبل فهداه الله حتى عرف أنه جبريل عليه السلام الرابع عشر : الضلال بمعنى المحبة كما في قوله : { إِنَّكَ لَفِى ضَلَـٰلِكَ ٱلْقَدِيمِ } [ يوسف : 95 ] أي محبتك ، ومعناه أنك محب فهديتك إلى الشرائع التي بها تتقرب إلى خدمة محبوبك الخامس عشر : ضالاًّ عن أمور الدنيا لا تعرف التجارة ونحوها ، ثم هديتك حتى ربحت تجارتك ، وعظم ربحت حتى رغبت خديجة فيك ، والمعنى أنه ما كان لك وقوف على الدنيا ، وما كنت تعرف سوى الدين ، فهديتك إلى مصالح الدنيا بعد ذلك السادس عشر : { وَوَجَدَكَ ضَالاًّ } أي ضائعاً في قومك كانوا يؤذونك ، ولا يرضون بك رعية ، فقوي أمرك وهداك إلى أن صرت آمراً والياً عليهم السابع عشر : كنت ضالاً ما كنت تهتدي على طريق السموات فهديتك إذ عرجت بك إلى السموات ليلة المعراج الثامن عشر : ووجدك ضالاًّ أي ناسياً لقوله تعالى : { أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا } [ البقرة : 282 ] فهديتك أي ذكرتك ، وذلك أنه ليلة المعراج نسي ما يجب أن يقال بسبب الهيبة ، فهداه الله تعالى إلى كيفية الثناء حتى قال : " " لا أحصي ثناء عليك " " التاسع عشر : أنه وإن كان عارفاً بالله بقلبه إلا أنه كان في الظاهر لا يظهر لهم خلافاً ، فعبر عن ذلك بالضلال العشرون : روى علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " " ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يعملون به غير مرتين ، كل ذلك يحول الله بيني وبين ما أريد من ذلك ، ثم ما هممت بعدهما بسوء حتى أكرمني الله برسالته ، فإني قلت ليلة لغلام من قريش ، كان يرعى معي بأعلى مكة ، لو حفظت لي غنمي حتى أدخل مكة ، فأسمر بها كما يسمر الشبان ، فخرجت أريد ذلك حتى أتيت أول دار من دور مكة ، فسمعت عزفاً بالدفوف والمزامير ، فقالوا فلان ابن فلان يزوج بفلانة ، فجلست أنظر إليهم وضرب الله على أذني فنمت فما أيقظني إلا مس الشمس ، قال فجئت صاحبي ، فقال ما فعلت ؟ فقلت ما صنعت شيئاً ، ثم أخبرته الخبر ، قال : ثم قلت له ليلة أخرى مثل ذلك ، فضرب الله على أذني فما أيقظني إلا مس الشمس ، ثم ما هممت بعدهما بسوء حتى أكرمني الله تعالى برسالته " . "