Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 93, Ayat: 8-8)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ففيه مسائل : المسألة الأولى : العائل هو ذو العيلة ، وذكرنا ذلك عند قوله : { أَن لا تَعُولُواْ } [ النساء : 3 ] ويدل عليه قوله تعالى : { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً } [ التوبة : 28 ] ثم أطلق العائل على الفقير ، وإن لم يكن له عيال ، وههنا في تفسير العائل قولان : الأول : وهو المشهور أن المراد هو الفقير ، ويدل عليه ما روى أنه في مصحف عبد الله : ووجدك عديماً وقرىء عيلاً كما قرىء سيحات ، ثم في كيفية الإغناء وجوه الأول : أن الله تعالى أغناه بتربية أبي طالب ، ولما اختلت أحوال أبي طالب أغناه الله بمال خديجة ، ولما اختل ذلك أغناه الله بمال أبي بكر ، ولما اختل ذلك أمره بالهجرة وأغناه بإعانة الأنصار ، ثم أمره بالجهاد ، وأغناه بالغنائم ، وإن كان إنما حصل بعد نزول هذه السورة ، لكن لما كان ذلك معلوم الوقوع كان كالواقع ، روي أنه عليه السلام : " " دخل على خديجة وهو مغموم ، فقالت له مالك ، فقال : الزمان زمان قحط فإن أنا بذلت المال ينفذ مالك فأستحي منك ، وإن لم أبذل أخاف الله ، فدعت قريشاً وفيهم الصديق ، قال الصديق : فأخرجت دنانير وصبتها حتى بلغت مبلغاً لم يقع بصري على من كان جالساً قدامي لكثرة المال ، ثم قالت : اشهدوا أن هذا المال ماله إن شاء فرقه ، وإن شاء أمسكه " " الثاني : أغناه بأصحابه كانوا يعبدون الله سراً حتى قال عمر حين أسلم : أبرز أتعبد اللات جهراً ونعبد الله سراً ! فقال عليه السلام : " " حتى تكثر الأصحاب ، " " فقال حسبك الله وأنا فقال تعالى : { حَسْبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ الأنفال : 64 ] فأغناه الله بمال أبي بكر ، وبهيبة عمر » الثالث : أغناك بالقناعة فصرت بحال يستوي عندك الحجر والذهب ، لا تجد في قلبك سوى ربك ، فربك غني عن الأشياء لا بها ، وأنت بقناعتك استغنيت عن الأشياء ، وإن الغنى الأعلى الغنى عن الشيء لا به ، ومن ذلك أنه عليه السلام خير بين الغنى والفقر ، فاختار الفقر الرابع : كنت عائلاً عن البراهين والحجج ، فأنزل الله عليك القرآن ، وعلمك مالم تكن تعلم فأغناك . القول الثاني في تفسير العائل : أنت كنت كثير العيال وهم الأمة ، فكفاك . وقيل فأغناهم بك لأنهم فقراء بسبب جهلهم ، وأنت صاحب العلم ، فهداهم على يدك ، وههنا سؤالات . السؤال الأول : ما الحكمة في أنه تعالى اختار له اليتم ؟ قلنا فيه وجوه أحدها : أن يعرف قدر اليتامى فيقوم بحقهم وصلاح أمرهم ، ومن ذلك كان يوسف عليه السلام لا يشبع . فقيل له في ذلك : فقال أخاف أن أشبع فأنسى الجياع وثانيها : ليكون اليتيم مشاركاً له في الاسم فيكرم لأجل ذلك ، ومن ذلك قال عليه السلام : " " إذا سميتم الولد محمداً فأكرموه ، ووسعوا له في المجلس " وثالثها : أن من كان له أب أو أم كان اعتماده عليهما ، فسلب عنه الولدان حتى لا يعتمد من أول صباه إلى آخر عمره على أحد سوى الله ، فيصير في طفوليته متشبهاً بإبراهيم عليه السلام في قوله : حسبي من سؤالي ، علمه بحالي ، وكجواب مريم : { أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } [ آل عمران : 37 ] . ورابعها : أن العادة جارية بأن اليتيم لا تخفى عيوبه بل تظهر ، وربما زادوا على الموجود فاختار تعالى له اليتيم ، ليتأمل كل أحد في أحواله ، ثم لا يجدوا عليه عيباً فيتفقون على نزاهته ، فإذا اختاره الله للرسالة لم يجدوا عليه مطعناً وخامسها : جعله يتيماً ليعلم كل أحد أن فضيلته من الله ابتداء لأن الذي له أب ، فإن أباه يسعى في تعليمه وتأديبه وسادسها : أن اليتم والفقر نقص في حق الخلق ، فلما صار محمد عليه الصلاة والسلام ، مع هذين الوصفين أكرم الخلق ، كان ذلك قلباً للعادة ، فكان من جنس المعجزات . السؤال الثاني : ما الحكمة في أن الله ذكر هذه الأشياء ؟ الجواب : الحكمة أن لا ينسى نفسه فيقع في العجب . السؤال الثالث : روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " " سألت ربي مسألة وددت أني لم أسألها ، قلت : اتخذت إبراهيم خليلاً ، وكلمت موسى تكليماً ، وسخرت مع داود الجبال ، وأعطيت سليمان كذا وكذا ، وأعطيت فلاناً كذا وكذا ، فقال : ألم أجدك يتيماً فآويتك ؟ ألم أجدك ضالاًّ فهديتك ؟ ألم أجدك عائلاً فأغنيتك ؟ قلت : بلى . فقال : ألم أشرح لك صدرك ؟ قلت : بلى ، قال : ألم أرفع لك ذكرك ؟ قلت : بلى ! قال : ألم أصرف عنك وزرك ؟ قلت : بلى ، ألم أوتك مالم أوت نبياً قبلك وهي خواتيم سورة البقرة ؟ أم أتخذك خليلاً كما اتخذت إبراهيم خليلاً ؟ " " فهل يصح هذا الحديث قلنا : طعن القاضي في هذا الخبر فقال : إن الأنبياء عليهم السلام لا يسألون مثل ذلك إلا عن إذن ، فكيف يصح أن يقع من الرسول مثل هذا السؤال . ويكون منه تعالى ما يجري مجرى المعاتبة .