Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 96, Ayat: 1-1)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبّكَ } اعلم أن في الباء من قوله : { بِٱسْمِ رَبّكَ } قولين : أحدهما : قال أبو عبيدة : الباء زائدة ، والمعنى : اقرأ اسم ربك ، كما قال الأخطل : @ هن الحرائر لا ربات أخمرة سود المحاجر لا يقرأن بالسور @@ ومعنى اقرأ اسم ربك ، أي أذكر اسمه ، وهذا القول ضعيف لوجوه أحدها : أنه لو كان معناه اذكر اسم ربك ما حسن منه أن يقول : ما أنا بقارىء ، أي لا أذكر اسم ربي وثانيها : أن هذا الأمر لا يليق بالرسول ، لأنه ما كان له شغل سوى ذكر الله ، فكيف يأمره بأن يشتغل بما كان مشغولاً به أبداً وثالثها : أن فيه تضييع الباء من غير فائدة . القول الثاني : أن المراد من قوله : { ٱقْرَأْ } أي اقرأ القرآن ، إذ القراءة لا تستعمل إلا فيه قال تعالى : { فَإِذَا قَرَأْنَـٰهُ فَٱتَّبِعْ قُرْءانَهُ } [ القيامة : 18 ] وقال : { وَقُرْءانًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ } [ الإسراء : 106 ] وقوله : { بِٱسْمِ رَبّكَ } يحتمل وجوهاً أحدها : أن يكون محل باسم ربك النصب على الحال فيكون التقدير : اقرأ القرآن مفتتحاً باسم ربك أي قل : باسم الله ثم اقرأ ، وفي هذا دلالة على أنه يجب قراءة التسمية في ابتداء كل سورة كما أنزل الله تعالى وأمر به ، وفي هذه الآية رد على من لا يرى ذلك واجباً ولا يبتدىء بها وثانيها : أن يكون المعنى اقرأ القرآن مستعيناً باسم ربك كأنه يجعل الاسم آلة فيما يحاوله من أمر الدين والدنيا ، نظيره كتبت بالقلم ، وتحقيقه أنه لما قال له : { ٱقْرَأْ } فقال له : لست بقارىء ، فقال : { ٱقْرَأْ بِٱسْمَ رَبّكَ } أي استعن باسم ربك واتخذه آلة في تحصيل هذا الذي عسر عليك وثالثها : أن قوله : { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبّكَ } أي اجعل هذا الفعل لله وافعله لأجله كما تقول : بنيت هذه الدار باسم الأمير وصنعت هذا الكتاب باسم الوزير ولأجله ، فإن العبادة إذا صارت لله تعالى ، فكيف يجترىء الشيطان أن يتصرف فيما هو لله تعالى ؟ فإن قيل : كيف يستمر هذا التأويل في قولك : قبل الأكل بسم الله ، وكذا قبل كل فعل مباح ؟ قلنا : فيه وجهان أحدهما : أن ذلك إضافة مجازية كما تضيف ضيعتك إلى بعض الكبار لتدفع بذلك ظلم الظلمة ، كذا تضيف فعلك إلى الله ليقطع الشيطان طمعه عن مشاركتك ، فقد روى أن من لم يذكر اسم الله شاركه الشيطان في ذلك الطعام والثاني : أنه ربما استعان بذلك المباح على التقوى على طاعة الله فيصير المباح طاعة فيصح ذلك التأويل فيه . أما قوله : { رَبَّكَ } ففيه سؤالان : أحدها : وهو أن الرب من صفات الفعل ، والله من أسماء الذات وأسماء الذات أشرف من أسماء الفعل ، ولأنا قد دللنا بالوجوه الكثيرة على أن اسم الله أشرف من اسم الرب ، ثم إنه تعالى قال ههنا : { بِٱسْمِ رَبّكَ } ولم يقل : اقرأ باسم الله كما قال في التسمية المعروفة : بسم الله الرحمـن الرحيم وجوابه : أنه أمر بالعبادة ، وبصفات الذات ، وهو لا يستوجب شيئاً ، وإنما يستوجب العبادة بصفات الفعل ، فكان ذلك أبلغ في الحث على الطاعة ، ولأن هذه السورة كانت من أوائل ما نزل على ما كان الرسول عليه السلام قد فزع فاستماله ليزول الفزع ، فقال : هو الذي رباك فكيف يفزعك ؟ فأفاد هذا الحرف معنيين أحدهما : ربيتك فلزمك القضاء فلا تتكاسل والثاني : أن الشروع ملزم للاتمام ، وقد ربيتك منذ كذا فكيف أضيعك ، أي حين كنت علقاً لم أدع تربيتك فبعد أن صرت خلقاً نفيساً موحداً عارفاً بي كيف أضيعك ؟ . السؤال الثاني : ما الحكمة في أنه أضاف ذاته إليه ، فقال : { بِٱسْمِ رَبّكَ } ؟ الجواب : تارة يضيف ذاته إليه بالربوبية كما ههنا ، وتارة يضيفه إلى نفسه بالعبودية ، أسرى بعبده ، نظيره قوله عليه السلام : " " علي مني وأنا منه " " كأنه تعالى يقول : هو لي وأنا له ، يقرره قوله تعالى : { مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ } [ النساء : 80 ] أو نقول : إضافة ذاته إلى عبده أحسن من إضافة العبد إليه ، إذ قد علم في الشاهد أن من له إبنان ينفعه أكبرهما دون الأصغر ، يقول : هو ابني فحسب لما أنه ينال منه المنفعة ، فيقول الرب تعالى : المنفعة تصل مني إليك ، ولم تصل منك إلى خدمة ولا طاعة إلى الآن ، فأقول : أنا لك ولا أقول أنت لي ، ثم إذا أتيت بما طلبته منك من طاعة أو توبة أضفتك إلى نفسي فقلت : أنزل على عبده { قُلْ يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ } [ الزمر : 53 ] . السؤال الثالث : لم ذكر عقيب قوله : { رَبَّكَ } قوله : { ٱلَّذِى خَلَقَ } ؟ الجواب : كأن العبد يقول : ما الدليل على أنك ربي ؟ فيقول : لأنك كنت بذاتك وصفاتك معدوماً . ثم صرت موجوداً فلا بد لك في ذاتك وصفاتك من خالق ، وهذا الخلق والإيجاد تربية فدل ذلك على أني ربك وأنت مربوبي .