Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 96, Ayat: 2-2)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أما قوله تعالى : { ٱلَّذِى خَلَقَ * خَلَقَ ٱلإِنسَـٰنَ مِنْ عَلَقٍ } ففيه مسائل : المسألة الأولى : في تفسير هذه الآية ثلاثة أوجه أحدها : أن يكون قوله : { ٱلَّذِى خَلَقَ } لا يقدر له مفعول ، ويكون المعنى أنه الذي حصل منه الخلق واستأثر به لا خالق سواه والثاني : أن يقدر له مفعول ويكون المعنى أنه الذي خلق كل شيء ، فيتناول كل مخلوق ، لأنه مطلق ، فليس حمله على البعض أولى من حمله على الباقي ، كقولنا : الله أكبر ، أي من كل شيء ، ثم قوله بعد ذلك : { خَلَقَ ٱلإِنسَـٰنَ مِنْ عَلَقٍ } تخصيص للإنسان بالذكر من بين جملة المخلوقات ، إما لأن التنزيل إليه أو لأنه أشرف ما على وجه الأرض والثالث : أن يكون قوله : { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبّكَ ٱلَّذِى خَلَقَ } مبهماً ثم فسره بقوله : { خَلَقَ ٱلإِنسَـٰنَ مِنْ عَلَقٍ } تفخيماً لخلق الإنسان ودلالة على عجيب فطرته . المسألة الثانية : احتج الأصحاب بهذه الآية على أنه لا خالق غير الله تعالى ، قالوا : لأنه سبحانه جعل الخالقية صفة مميزة لذات الله تعالى عن سائر الذوات ، وكل صفة هذا شأنها فإنه يستحيل وقوع الشركة فيها ، قالوا : وبهذا الطريق عرفنا أن خاصية الإلهية هي القدرة على الاختراع ومما يؤكد ذلك أن فرعون لما طلب حقيقة الإله ، فقال : { وَمَا رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } [ الشعراء : 23 ] قال موسى : { رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءابَائِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } [ الشعراء : 26 ] والربوبية إشارة إلى الخالقية التي ذكرها ههنا ، وكل ذلك يدل على قولنا . المسألة الثالثة : اتفق المتكلمون على أن أول الواجبات معرفة الله تعالى ، أو النظر في معرفة الله أو القصد إلى ذلك النظر على الاختلاف المشهور فيما بينهم ، ثم إن الحكيم سبحانه لما أراد أن يبعثه رسولاً إلى المشركين ، لو قال له : اقرأ باسم ربك الذي لا شريك له ، لأبوا أن يقبلوا ذلك منه ، لكنه تعالى قدم ذلك مقدمة تلجئهم إلى الاعتراف به كما يحكى إن زفر لما بعثه أبو حنيفة إلى البصرة لتقرير مذهبه ، فلما ذكر أبو حنيفة زيفوه ولم يلتفتوا إليه ، فرجع إلى أبي حنيفة . وأخبره بذلك ، فقال إنك لم تعرف طريق التبليغ ، لكن ارجع إليهم ، واذكر في المسألة أقاويل أئمتهم ثم بين ضعفها ، ثم قل بعد ذلك : ههنا قول آخر ، واذكر قولي وحجتي ، فإذا تمكن ذلك في قلبهم ، فقل : هذا قول أبي حنيفة لأنهم حينئذ يستحيون فلا يردون ، فكذا ههنا أن الحق سبحانه يقول : إن هؤلاء عباد الأوثان ، فلو أثنيت علي وأعرضت عن الأوثان لأبوا ذلك ، لكن اذكر لهم أنهم هم الذين خلقوا من العلقة فلا يمكنهم إنكاره ، ثم قل : ولا بد للفعل من فاعل فلا يمكنهم أن يضيفوا ذلك إلى الوثن لعلمهم بأنهم نحتوه ، فبهذا التدريج يقرون بأني أنا المستحق للثناء دون الأوثان ، كما قال تعالى : { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } [ الزخرف : 87 ] ثم لما صارت الإلهية موقوفة على الخالقية وحصل القطع بأن من لم يخلق لم يكن إلهاً ، فلهذا قال تعالى : { أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ } [ النحل : 17 ] ودلت الآية على أن القول بالطبع باطل ، لأن المؤثر فيه إن كان حادثاً افتقر إلى مؤثر آخر ، وإن كان قديماً فإما أن يكون موجباً أو قادراً ، فإن كان موجباً لزم أن يقارنه الأثر فلم يبق إلا أنه مختار وهو عالم لأن التغير حصل على الترتيب الموافق للمصلحة . المسألة الرابعة : إنما قال : { مِنْ عَلَقٍ } على الجمع لأن الإنسان في معنى الجمع ، كقوله : { إِنَّ ٱلإنسَـٰنَ لَفِى خُسْرٍ } [ العصر : 2 ] . أما قوله تعالى :