Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 96, Ayat: 3-4)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ففيه مسائل : المسألة الأولى : قال بعضهم : اقرأ أولاً لنفسك ، والثاني للتبليغ أو الأول للتعلم من جبريل والثاني للتعليم أو اقرأ في صلاتك ، والثاني خارج صلاتك . المسألة الثانية : الكرم إفادة ما ينبغي لا لعوض ، فمن يهب السكين ممن يقتل به نفسه فهو ليس بكريم ، ومن أعطى ثم طلب عوضاً فهو ليس بكريم ، وليس يجب أن يكون العوض عيناً بل المدح والثواب والتخلص عن المذمة كله عوض ، ولهذا قال أصحابنا : إنه تعالى يستحيل أن يفعل فعلاً لغرض لأنه لو فعل فعلاً لغرض لكان حصول ذلك الغرض أولى له من لا حصوله ، فحينئذ يستفيد بفعل ذلك الشيء حصول تلك الأولوية ، ولو لم يفعل ذلك الفعل لما كان يحصل له تلك الأولوية ، فيكون ناقصاً بذاته مستكملاً بغيره وذلك محال ، ثم ذكروا في بيان أكرميته تعالى وجوهاً أحدها : أنه كم من كريم يحلم وقت الجناية ، لكنه لا يبقى إحسانه على الوجه الذي كان قبل الجناية ، وهو تعالى أكرم لأنه يزيد بإحسانه بعد الجناية ، ومنه قول القائل : @ متى زدت تقصيراً تزد لي تفضلاً كأني بالتقصير أستوجب الفضلا @@ وثانيها : إنك كريم لكن ربك أكرم وكيف لا وكل كريم ينال بكرمه نفعاً إما مدحاً أو ثواباً أو يدفع ضرراً . أما أنا فالأكرم إذ لا أفعله إلا لمحض الكرم وثالثها : أنه الأكرم لأن له الابتداء في كل كرم وإحسان وكرمه غير مشوب بالتقصير ورابعها : يحتمل أن يكون هذا حثاً على القراءة أي هذا الأكرم لأنه يجازيك بكل حرف عشراً أو حثاً على الإخلاص ، أي لا تقرأ لطمع ولكن لأجلي ودع عليَّ أمرك فأنا أكرم من أن لا أعطيك ما لا يخطر ببالك ، ويحتمل أن المعنى تجرد لدعوة الخلق ولا تخف أحداً فأنا أكرم من أن آمرك بهذا التكليف الشاق ثم لا أنصرك . المسألة الثالثة : أنه سبحانه وصف نفسه بأنه : خلق الإنسـان من علق وثانياً بأنه علقة وهي بالقلم ، ولا مناسبة في الظاهر بين الأمرين ، لكن التحقيق أن أول أحوال الإنسان كونه علقة وهي أخس الأشياء وآخر أمره هو صيرورته عالماً بحقائق الأشياء ، وهو أشرف مراتب المخلوقات فكأنه تعالى يقول : انتقلت من أخس المراتب إلى أعلى المراتب فلا بد لك من مدبر مقدر ينقلك من تلك الحالة الخسيسة إلى هذه الحالة الشريفة ، ثم فيه تنبيه على أن العلم أشرف الصفات الإنسانية ، كأنه تعالى يقول : الإيجاد والإحياء والإقدار والرزق كرم وربوبية ، أما الأكرم هو الذي أعطاك العلم لأن العلم هو النهاية في الشرف . المسألة الرابعة : قوله : { بِٱسْمِ رَبّكَ ٱلَّذِى خَلَقَ * خَلَقَ ٱلإِنسَـٰنَ مِنْ عَلَقٍ } إشارة إلى الدلالة العقلية الدالة على كمال القدرة والحكمة والعلم والرحمة ، وقوله : { ٱلَّذِى عَلَّمَّ بِٱلْقَلَمِ } إشارة إلى الأحكام المكتوبة التي لا سبيل إلى معرفتها إلا بالسمع ، فالأول كأنه إشارة إلى معرفة الربوبية والثاني إلى النبوة ، وقدم الأول على الثاني تنبيهاً على أن معرفة الربوبية غنية عن النبوة ، وأما النبوة فإنها محتاجة إلى معرفة الربوبية . المسألة الخامسة : في قوله : { عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ } وجهان أحدهما : أن المراد من القلم الكتابة التي تعرف بها الأمور الغائبة ، وجعل القلم كناية عنها والثاني : أن المراد علم الإنسان الكتاب بالقلم وكلا القولين متقارب ، إذ المراد التنبيه على فضيلة الكتابة ، يروى أن سليمان عليه السلام سأل عفريتاً عن الكلام ، فقال : ريح لا يبقى ، قال : فما قيده ، قال : الكتابة ، فالقلم صياد يصيد العلوم يبكي ويضحك ، بركوعه تسجد الأنام ، وبحركته تبقى العلوم على مر الليالي والأيام ، نظيره قول زكريا : { إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً } [ مريم : 3 ] أخفى وأسمع فكذا القلم لا ينطق ثم يسمع الشرق والغرب ، فسبحانه من قادر بسوادها جعل الدين منوراً ، كما أنه جعلك بالسواد مبصراً ، فالقلم قوام الإنسان والإنسان قوام العين ، ولا تقل القلم نائب اللسان ، فإن القلم ينوب عن اللسان واللسان لا ينوب عن القلم ، التراب طهور ، ولو إلى عشر حجج ، والقلم بدل عن اللسان ولو بعث إلى المشرق والمغرب .