Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 96, Ayat: 9-10)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وفيه مسائل : المسألة الأولى : روي عن أبي جهل لعنه الله أنه قال : هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم ؟ قالوا : نعم ، قال : فوالذي يحلف به لئن رأيته لأطأن عنقه ، ثم إنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة فنكص على عقبيه ، فقالوا له : مالك يا أبا الحكم ؟ فقال : إن بيني وبينه لخندقاً من نار وهولاً شديداً . وعن الحسن أن أمية بن خلف كان ينهى سلمان عن الصلاة . واعلم أن ظاهر الآية أن المراد في هذه الآية هو الإنسان المتقدم ذكره ، فلذلك قالوا : إنه ورد في أبي جهل ، وذكروا ما كان منه من التوعد لمحمد عليه الصلاة والسلام حين رآه يصلي ، ولا يمتنع أن يكون نزولها في أبي جهل ، ثم يعم في الكل ، لكن ما بعده يقتضي أنه في رجل بعينه . المسألة الثانية : قوله : { أَرَأَيْتَ } خطاب مع الرسول على سبيل التعجب ، ووجه التعجب فيه أمور أحدها : أنه عليه السلام قال : اللهم أعز الإسلام إما بأبي جهل بن هشام أو بعمر ، فكأنه تعالى قال له : كنت تظن أنه يعز به الإسلام ، أمثله يعز به الإسلام ، وهو : ينهى عبداً إذا صلى وثانيها : أنه كان يلقب بأبي الحكم ، فكأنه تعالى يقول : كيف يليق به هذا اللقب وهو ينهى العبد عن خدمة ربه ، أيوصف بالحكمة من يمنع عن طاعة الرحمن ويسجد للأوثان ! وثالثها : أن ذلك الأحمق يأمر وينهى ، ويعتقد أنه يجب على الغير طاعته ، مع أنه ليس بخالق ولا رب ، ثم إنه ينهى عن طاعة الرب والخالق ، ألا يكون هذا غاية الحماقة . المسألة الثالثة : قال : { يَنْهَىٰ عَبْداً } ولم يقل : ينهاك ، وفيه فوائد أحدها : أن التنكير في عبداً يدل على كونه كاملاً في العبودية ، كأنه يقول : إنه عبد لا يفي العالم بشرح بيانه وصفة إخلاصه في عبوديته يروى : في هذا المعنى أن يهودياً من فصحاء اليهود جاء إلى عمر في أيام خلافته فقال : أخبرني عن أخلاق رسولكم ، فقال عمر : اطلبه من بلال فهو أعلم به مني . ثم إن بلالاً دله على فاطمة ثم فاطمة دلته على علي عليه السلام ، فلما سأل علياً عنه قال : صف لي متاع الدنيا حتى أصف لك أخلاقه ، فقال الرجل : هذا لا يتيسر لي ، فقال علي : عجزت عن وصف متاع الدنيا وقد شهد الله على قلته حيث قال : { قُلْ مَتَـٰعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ } [ النساء : 77 ] فكيف أصف أخلاق النبي وقد شهد الله تعالى بأنه عظيم حيث قال : { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } [ القلم : 4 ] فكأنه تعالى قال : ينهى أشد الخلق عبودية عن العبودية وذلك عين الجهل والحمق وثانيها : أن هذا أبلغ في الذم لأن المعنى أن هذا دأبه وعادته فينهى كل من يرى وثالثها : أن هذا تخويف لكل من نهى عن الصلاة ، روى عن علي عليه السلام أنه رأى في المصلى أقواماً يصلون قبل صلاة العيد ، فقال : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ، فقيل له : ألا تنهاهم ؟ فقال : أخشى أن أدخل تحت قوله : { أَرَأَيْتَ ٱلَّذِى يَنْهَىٰ * عَبْداً إِذَا صَلَّىٰ } فلم يصرح بالنهي عن الصلاة ، وأخذ أبو حنيفة منه هذا الأدب الجميل حيث قال له أبو يوسف : أيقول المصلي حين يرفع رأسه من الركوع : اللهم اغفر لي ؟ قال : يقول ربنا لك الحمد ويسجد ولم يصرح بالنهي ورابعها : أيظن أبو جهل أنه لو لم يسجد محمد لي لا أجد ساجداً غيره ، إن محمد عبد واحد ، ولي من الملائكة المقربين مالا يحصيهم إلا أنا وهم دائماً في الصلاة والتسبيح وخامسها : أنه تفخيم لشأن النبي عليه السلام يقول : إنه مع التنكير معرف ، نظيره الكناية في سورة القدر حـملت على القرآن ولم يسبق له ذكر { أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ } [ الإسراء : 1 ] { أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ } [ الكهف : 1 ] { وَأَنَّهُ لَّمَا قَامَ عبدُ الله } [ الجن : 19 ] .