Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 57-57)
Tafsir: at-Tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا هو الإنعام السابع لبني إسرائيل ، وقد ذكره الله هاهنا وفي سورة الأعراف بهذه الألفاظ . والاظلال من الظِّلَة . وهي والغمامة ، والسترة ، نظائر . و { ٱلْغَمَامَ } السحاب ، والقطعة منها غَمامة . وإنّما سمّي غماماً لأنّه يغمّ السماء ، أي : يسترها . وكل ما ستَر شيئاً فقد غمَّه ، والغُمَّة : الغطاء على القلب ، من الغَمّ . و " فلان في غُمّة من أمره " إذا لم يهتد له . و { ٱلْمَنُّ } أصله الإحسان إلى من لا يستثيبه ، والاسم : المنّة . و { ٱلسَّلْوَىٰ } طائر كالسماني . قال الأخفش : هو للواحد والجمع كالدِفْلَى . وقيل : واحده " سلواة " . والمعنى : جعلنا لكم الغَمام ظلة وسترة تقيكم حرَّ الشمس في التيه ، وأنزلنا عليكم المنَّ - وهو الترنجبين - وبعثنا إليكم السلوى . روي أنّه سخّر الله لهم السحاب ، يسير بسيرهم ، يظلّهم من الشمس ، وينزل بالليل عمود من نار يسيرون في ضوئه ، وثيابهم لا تتّسخ ولا تبلى . { وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ } وهو الترنجبين ، وكان ينزل عليهم مثل الثلج من طلوع الشمس لكلّ إنسان صاع ، ويبعث الجنوب فتحشر عليهم السلْوى - وهي السماني - فيذبح الرجل منها ما يكفيه . قال الطبرسيّ في مجمع البيان : " المنّ فيه وجوه : أحدها : إنّه المنّ الذي يعرفه الناس ، يسقط على الشجر عن ابن العباس . وثانيها : إنّه شيء كالصمغ ، كان يقع على الأشجار ، طعمه كالشهد والعسل عن مجاهد . وثالثها : إنّه كالخبز المرقّق ، عن وهب . ورابعها : إنّه جميع النعم التي آتاهم الله ، مما منّ الله تعالى به عليهم ، مما لا تعب فيه ولا نصَب . والسلوى ، قيل : وهو السماني . وقيل هو طائر أبيض يشبه السماني ، عن ابن عباس " . قوله : { كُلُواْ } على إرادة القول . { وَمَا ظَلَمُونَا } بأن كفروا هذه النعم . يعني : فظلَموا بأن كفروا هذه النعم ، وما ظلَمونا . فوقع الاختصار لدلالة الكلام على هذا الحذف . وهذا دليل على أنّ الله لا تنفعه طاعة من أطاعه ، ولا تضرّه معصية من عصاه ، وإنّما تعود منفعة الطاعة إلى المطيع ، ومضرّة المعصية إلى العاصي . وكيفيّة قصّتهم أنّه لما ابتلاهم الله بالتيه إذ قالوا لموسى ( عليه السلام ) : { فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاۤ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } [ المائدة : 24 ] . حين أمَرهم بالسير إلى بيت المقدس وحرْب العمالقة ، فوقعوا في التيه ، فصاروا كلّما ساروا تاهوا في قدْر خمسة فراسخ أو ستّة ، فكلّما أصبحوا ساروا غادين ، فأمسوا فإذا هم في مكانهم الذي ارتحلوا منه كذلك حتّى تمّت المدّة ، وبقوا فيها أربعين سنة ، وفي التيه توفّي موسى وهارون ( عليهما السلام ) ثمّ خرج يوشع بن نون ، ولمّا حصلوا في التيه ندموا على ما فعَلوا ، فألطف الله تعالى لهم بالغمام لما شكوا حرّ الشمس . وممّا روى أصحابنا الإمامية في هذه القصّة عن الصادق ( عليه السلام ) أنّه كان ينزل عليهم المنّ من وقت طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، فمَن نام في ذلك الوقت لم ينزل نصيبه ، فلذلك يكره النوم في هذا الوقت . وعن ابن جرير : وكان الرجل منهم إن أخذ من المنّ والسلوى زيادة على طعام يوم واحد فسَد ، إلاّ يوم الجمعة ، فإنّه لم يفسد إذا أخذوا منها ليوم الجمعة والسبت ، لأنّهم لا يأتيهم يوم السبت . وكانوا يخبزونه مثل القُرصة ، فيوجد له طعم كالشهد المعجون بالسمن ، وكان إذا وُلد فيهم مولود يكون عليه ثوبٌ يطول بطوله كالجلد . وفي هذه القصّة أسرار عجيبة ، وما أشبه حال قوم موسى ( عليه السلام ) في التيه بحال البقَر والغنم والله أعلم .