Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 61-61)

Tafsir: at-Tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ أهلُ المدينة النبيئين بالهمزة ، والباقون بغير الهمزة . والطَّعام : ما يتغذّى به . والطُّعْم - بضم الطاء - : الأكل . والطَّعم من الكيفيات المحسوسة بحاسَّة الذوق ، والمراد من تلك الكيفيّات المسمّاة بالمحسوسات هي الموجودة في الخارج . وأمّا التي وُجدت منها في المشاعِر من صوَرها المطابقة لها ، فهي بحسب ذلك الوجود الصوري ليست عندنا داخلة في هذا الجنس بل في جنس الكيفيّات النفسانيّة كالشهوة والغضب ، والإرادة والكراهة ، والعلْم والجهْل . وفي ذلك سرّ المعاد وحشر الأجساد ، فإنّ لهذه الموجودات وأشكالها ومقاديرها ، وألوانها ، وطعومها ، وروائحها ، وأصواتها ، وجوداً في عالَم النفس ، غير هذا الوجود المادّي ، الدنيوي ، الدائر الفاسد . والدُّعاء أصله النداء . ويستعمل في قول القائل لمن فوقه : " إفعَل كذا " . والإنبات : إخراج النبات ، لكنّ الله لا يباشِر هذا الفعل الدنيّ إلاّ باستخدام بعض الملائكة الأرضيّة ، بعد استخدامه للملائكة السماويّة . والبَقْل : ما يَنبت في الربيع من الخُضراوات التي ليس لها ساق . يقال : " بَقَلت الأرضُ " و " أبقلت " وهما لغتان فصيحتان . و " القِثَّاء " فيها لغتان : ضم القاف وكسرها . والثاني أجود لأنّه لغة القرآن . وقرئ في الشواذّ بالضم . والفُوم : الحِنطة عن ابن عباس ، وقتادة ، والسدّي . وهو المرويّ عن أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) وقال الفرّاء ، والأزهري : هو الحِنطة والخبْز . قال العرب : " فُوموا لنا " أي : اختبزوا لنا . وقال قوم : هو الحبوب التي تُخبز . وقال الكسائي : هو الثوم . أُبدل " ثاؤه " " فاءً " . قال الفرّاء : هذا أشبه بما ذكره بعده من البصَل . وقال الزجّاج : وهذا بعيد ، لأنّه لا يعرف " الثوم " بمعنى " الفوم " . قال الطبرسي - ره - " وهو ضعيف . لأنّه قد روي في الشواذّ عن ابن مسعود وابن عباس : وثومها " . وفيه نظر . لأنّ الذي روي من قراءة " ثومها " بدل " فومها " لا يدلّ على كونهما مترادفين قطعاً . وقوله : { أَدْنَىٰ } أي أقرب وأدون . فيكون من الدنوّ ، ويجوز أن يكون من الدناءة بمعنى الخسَّة . والمِصْر : البلد العظيم . وأصله الحدّ بين الشيئين ، وقد يراد به العَلَم . وتنوينه وصرفه لسكون الوسط . أو على تأويل البلَد . وقيل : أصله : مصيرائيم باليائين فعرِّب . و { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ } أي : فُرضت ، ووُضعت وألزموها ، كما في قولهم : ضَرب الإمامُ الجزيةَ على أهل الذمّة ، وضرَب الأميرُ على الرعيّة الخراجَ . و " المَسْكَنَة " مصدر المِسكين ، وهي الفاقَة والحاجة . { وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ } أي : انصرفوا ورجعوا . أو استووا . من قولك : " باء فلان بفلان " إذا كان حقيقاً بأن يقتل به لمساواته له ومكافأته . أي صاروا أحقّاء بغضبه . و " بَاءَ " لا يُستَعمل إلاّ في الشرّ . والنبي من " النبأ " بمعنى الخبر ، أو من " نبأ " بمعنى ارتفع ، أو منقول من " النبي " بمعنى الطريق . والكلّ مناسب لمعناه العرفي . وهو إنسانٌ مبعوث من الله إلى عباده . فالنبي ( صلّى الله عليه وآله ) مخبر عن الله ، مرتفع عنده . وهو طريق إلى وصول الحق ورضوانه . والمعنى : وإذ قال أسلافُكم : يا بني إسرائيل بعد ما أنعَم عليهم من النّعم والإحسان التي منها المَنُّ والسَّلوى وهما من الأطعمة اللَّذيذة ، قالوا من سوء الاختيار وكفْران النعمة : يا موسى لن نصبِر على طعام واحد - أي ما رزقوا في التيه - وهما وإن كانا اثنين ، لكن وحدتهما عبارة عن عدم تبدّلهما ، واختلافهما كقولهم : " مائدة الأمير واحدة " أي : لا تختلف ألوانها ، وإن كانت ألوانها كثيرة . ولذلك سئِموا . أو المراد أنّهما ضرب واحد ، فإنّهما معاً من طعام أهل التلذّذ والمترفين . ونحن قوم فلاّحون أهل زراعة ، ولا نريد إلاّ ما ألِفناه . { فَٱدْعُ لَنَا } أي : فاسأل ربّك لأجلنا { يُخْرِجْ } أي : يوجِد ويُظهر ، مما تنبته الأرض من الخُضروات . فقال تعالى أو قال موسى ( عليه السلام ) : { أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ } أقرب منزلة وأدون قدراً : وأسهل وجوداً ، بالذي هو خير منه وأعلى قدراً ، وأعزّ وجوداً ؟ يريد : أتستدعون الأدوَن بدلاً من الأفضل : اهبطوا مصراً من الأمصار . وقُرئ بضمّ الباء أي : انحدروا إليه من التيه . يقال : " هبط الوادي " إذا نزل و " هبَط منه " إذا خرَج . وبلاد التيه ما بين بيت المقدس إلى قنّسرين ، وهي إثنى عشر فرسخاً في ثمانية فراسخ . ويحتمل أن يراد به العَلَم ، وإنّما وقع منصرفاً مع اجتماع السببين - التعريف والتأنيث - لسكون وسطه . كقوله : نوحاً ولوطاً وفيهما العُجمة والتعريف . فإن أُريد به البلد فما فيه إلاّ سبب واحد . وفي مصحَف عبد الله ، وقرأ به الأعمش : " إهبطوا مصر " بغير تنوين . كقوله : { وَادْخُلُوا مِصْرَ } . واختلفوا في قوله : { ٱهْبِطُواْ مِصْراً } فرُوي عن ابن مسعود وأُبيّ بن كعب ترك التنوين ، وقال الحسن : " ألف " في مصراً زيادةٌ من الكاتب . فحينئذٍ تكون معرفة . فيجب أن يحمل على ما هو المخصّص بهذا الاسم ، وهو البلد المعروف الذي كان فيه فرعون . وأمّا الذين قرؤوا بالتنوين فقد اختلفوا . فمنهم من قال : البلَد الذي كان فيه فرعون ، وانصرافه لما مرّ وقال الآخرون : أيّ بلد كان . فإنّ الذي سألتُم من هذه الأُمور يوجَد في الأمصار . إشارة قربُ أحوال القوم من الحيوانات قد تقرّر أنّ الغذاء شبيه بالمغتذي ، ومن هاهنا أيضاً يعلم مع القرائن الآخرة كعبادتهم العِجل ، وكونهم أربعين سنَة في الصحراء ، وكون أبدانهم قابلة لأن يُقرض منها أجزاؤها بالمقاريض من غير أن يجرح لضخامة أبدانهم ، وكون أثوابهم كالجلود كانت تزيد بزيادة قدّهم ، وغير ذلك - أنّ أقوام بني إسرائيل كانت خارجة في المزاج عن عرض المزاج الإنساني الذي نشأ في ما بعد زمانهم ، وكانت طبائعهم قريبة الشبه من طبائع الأنعام ، وأغذيتهم كأغذيتها مما تنبت الأرض من قُشور الأغذية ، وكثافتها ، ونخالتها ، كالعلَف والتّبْن ، لا من لبُوبها ولطافتها كالحبوب ، والأدهان ، والدُّسومات ، والحلاوات ، التي يختصّ بالتغذّي بها الإنسان دون غيره من الحيوان . ويؤيّد ما ذكرنا قوله تعالى في تشبيههم بالحمار : { مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً } [ الجمعة : 5 ] . فصل واختلف في سؤالهم هذا : هل كان معصية ؟ فقيل : لم يكن معصية ، لأنّ الأوّل كان مباحاً ، فسألوا تبديله بمباح آخر . وقيل : بل كان معصية لأنّهم لم يرضوا بما اختاره الله لهم ، ولذلك ذمّهم . وهذا أوجه . وربما رُجِّح الأوّل بأنّه لو كان السؤال معصية لكانت الإجابة إليه معصية ، وهي غير جائزة على الأنبياء ( عليهم السلام ) . والجواب : لا نسلّم أنّ موسى ( عليه السلام ) دعا ربه لإجابة مسؤولهم عنه . بل لمّا أبوا شيئاً اختار الله لهم أعطاهم عاجلَ ما سألوا ، كما في قوله : { وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا } [ الشورى : 20 ] . ثمّ اختلف في الأمر في قوله : { اهْبِطُوا } للوجوب ، أو للندب ، أو للتخيير ؟ والظاهر أنّه للتخيير والإباحة . يعني : إذا لم تصبروا على ما هو خير لكم اهبطوا مصراً فإنّ ما سألتم يوجَد في الأمصار . أمّا قوله : { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ } أي : صارت محيطة بهم ، مشتملة عليهم ، كالقبّة المضروبة على جماعة . أو لزمتهم ضربة لازم ، كما يضرب الطين على الحائط ، فيلزمه . ولأجل هذا يكون اليهود أذلاّء صاغرين ، أهل مسكنة وخسّة . إمّا في الحقيقة ، وإمّا لتفاقرهم ، وتصاغرهم خيفَة أن يضاعَف عليهم الجزية . ومن العلماء مَن عدَّ هذا من معجزات نبيِّنا ( صلّى الله عليه وآله ) ، لأنّه أخبَر من ضرب الذلّة والمسكنة عليهم ، ووقع الأمر على طِبْق ما أخبره ، فكان هذا إخباراً عن الغيب ، فيكون معجزاً . وأمّا الاستدلال بهذه الآية على فضيلة الأغنياء على الفقراء ، - لأنّه تعالى ذمَّهم على الفقر - فغير موجّه ، لأنّ المراد به خسّة الذات ، وفقْر القلب ، وهَوانُ النفس . لأنّ كثيراً ما يوجد في اليهود ميَاسير ومتموّلين ، ولكن لا يوجد يهوديٌّ غنيُّ القلب ، مترفّع النفس . قال النبي ( صلّى الله عليه وآله ) : " الغِنى غِنى النفس " . وقوله : { وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ } أي : رجَعَوا منصرفين متحمّلين غضب الله ، قد نزَل بهم العذابُ ، ووجبَ عليهم الغضبُ ، وحلَّ بهم السخطُ ، لكونهم أحقّاء بذلك ، فبدّل الله اليهود بالعزّ ذلاًّ ، وبالنعمة بُؤساً ، وبالرضاء عنهم غضباً عليهم جزاءً بما كفروا بآياته ، وقتلوا أنبياءه ( عليهم السلام ) . وكُفرهم بآيات الله عبارة عن جحودهم حُجَج الله وبيّناته ، وإنكارهم لما رأوا من الدلائل الباهرة ، والشواهد الظاهرة . وقيل أراد بـ " آيات الله " ما في التوراة ، والإنجيل ، والقرآن . وقيل : آيات الله صفة محمّد ( صلّى الله عليه وآله ) . وقوله : { وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } أي : بغير جُرم ، كزكريّا ، ويحيى ، وغيرهما . فصل في هذه الآية سؤالات : أحدها : لِمَ وقع تقييد القتل بكونه بغير الحقّ ، وقتْل النبي لا يكون إلاّ بغير الحقّ ؟ والجواب من وجهين : الأوّل : انّ هذا خرَج مخرَج الصفة اللازمة إشعاراً باللزوم ، كما في قوله تعالى : { وَمَن يَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـهَا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ } [ المؤمنون : 117 ] . ومعناه : أنّ ذلك لا يمكن أن يكون عليه برهان . وأمثاله كثيرةٌ في كلام العرب . والثاني : إنّ الإتيان بالباطل ، قد يكون الآتي به اعتقده حقّاً لشبهة وقعت له في قلبِه ، وقد يأتي به مع علْمه بكونه باطِلاً . ولا شك أنّ هذا القِسْم أقبح . وثانيها : قوله : { يَكْفُرُونَ } داخل تحته قتل الأنبياء ، فلِمَ أعاد كرّة أخرى ؟ والجواب : إنّ الكفْر بآيات الله معناه هو الجهل بها ، والجحود والإنكار لها ، فلا يدخل تحته قتل الأنبياء . وثالثها : كيف يجوز التخلية بين الكفّار وقتْل الأنبياء ؟ والجواب : إنّما جاز ذلك لينال أنبياء الله من رفيع الدرجات ، وسني المقامات ، ما لا ينالونه بغير القتْل ، وليس ذلك بخذلان لهم . كما أنّ التخلية بين المؤمنين والأولياء وبين قاتليهم ليست بخذلان لهم . ورابعها : إنّ الحق وقَع معرّفاً في هذه الآية وبغير التعريف في آل عمران وهو قوله تعالى : { وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ } [ آل عمران : 21 ] . والجواب : إنّ الحقّ المعلوم فيما بين المسلمين الذي يوجب القتل ، كما في قوله ( صلّى الله عليه وآله ) : " لا يحلّ دم امرئٍ مسلم إلاّ بإحدى معان ثلاثة : كفْر بعد إيمان . وزنا بعد إحصان ، وقتل نفس بغير حقّ " فالحقّ المذكور بلام التعريف إشارة إلى هذا . وأمّا الحقّ المنكر غيره . ففيه تأكيد . أي : لم يكن هناك حقٌّ ، لا هذا المعروف بين المسلمين ولا غيره أصلاً . فصل وأمّا قوله : { ذٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } أي : ذلك الغضب ، وضرب الذلّة والمسكنة ، لأجْل عصيانهم واعتدائهم في السبْت . وقيل : المراد اعتداؤهم في قتْل الأنبياء ، فهو تأكيد لتكرير الشيء بغير لفظه الأوّل ، وهو كقول الرجُل لعبده - وقد احتمل منه ذنوباً سابقة فعاقَبه عند آخرها - : " هذا بما عصَيتني ، وهذا بما خالفتَ أمري ، وهذا بما تجرأت عليّ وهذا بكذا " فيعدّ عليه ذنوبَه المختلفة ، أو يعدّ عليه ذنوبَه بألفاظ مختلفة تبكيتاً . ومعنى الاعتداء هاهنا : الظلم ، والتجاوز عن الحقّ إلى الباطل . نكتة : واعلم أنّ درجات المعصية متفاوتة ، أقواها الكفْر بالله وبعده الكفر برسله وأنبيائه ، وبعدهما الظلم من أحد على نفسه ، وبعدها الظلم على غيره . فاعلم أنّه لما ذكر سبحانه إنزال العقوبة بهم ، بيَّن سبب ذلك فبدأ أوّلاً بما فعَلوه في حقّ الله ، وهو جهلهم بآياته ، وكفرانهم لنِعمه . ثمّ ثنّاه بما يتلوه في العِظَم وهو قتْل الأنبياء . ثمّ ثلَّثه بما كان يصدر منهم من المعاصي التي تخصّهم . ثمّ ربّع ذلك بما يصدر منهم من المعاصي المتعدّية إلى الغير مثل الاعتداء في السبت وغيره وذلك في غاية حُسن الترتيب .