Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 32, Ayat: 27-27)
Tafsir: at-Tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
" السَّوْق " : الحث على السير ، و " الجُرُز " الأرض اليابسة التي جرز نباتها ، أي قطع ، إما لعدم الماء ، أو لأمر آخر كالرعي وغيره ، ولا يقال للتي لا تنبت ك السباخ : " جرز " كما دلّ عليه قوله : { فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً } . واشتقاق هذا اللفظ من قولهم : " سيف جرّاز " أي : قطّاع لا يبقي شيئاً إلاَّ قطعه ، وفي " الجرز " أربع لغات : بضم الجيم والراء ، وبفتحهما ، وبضم الجيم وإسكان الراء ، وبفتح الجيم وإسكان الراء . قد نبّه الله سبحانه الكفّار بوجه آخر معطوف على الوجه السابق بقوله : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا } أي : أوَ لَم يعلموا أنّا نسوق الماء بالأمطار والثلوج أو الأنهار والعيون إلى الأرض اليابسة التي لا نبات فيها ، وقيل : نسوق الماء بالسيول إليها ، لأنها مواضع عالية وهي قرى بين الشام واليمن - عن ابن عباس - . وقيل : هي أَبْيَن . فيخرج به زرعاً تأكل منه - أي من ذلك الزرع - أنعامهم من عَصْفه ، وأنفسهم من حبّه كما في قوله تعالى : { وَفَاكِهَةً وَأَبّاً * مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ } [ عبس : 31 - 32 ] ، فلا يُبصرون بدائع صنعه ، ولطائف رحمته في حق أنفسهم وفي حق أنعامهم . مكاشفة قرآنية لمّا كانت الآية السابقة بحسب ما وجّهناها وأوّلنا إليه ، إشارة إلى الحثّ والترغيب للإهتداء بأنوار كتاب الله تعالى ، والإرتقاء إلى أعلام الحقائق القرآنية ، والزجر والتهديد والنهي والوعيد للقاعدين عن سلوك هذه الدرجة العظيمة ، بحكاية إهلاك قرون ماضية كانوا يمشون في مساكنهم السفلية ، ويترددون في منازلهم الحسيّة البدنية ، لطلب الأغراض الخسيسة والمقاصد الحيوانية ، ففي هذه الآية إشارة تمثيلية إلى كون القرآن ماء تحيى به أراضي القلوب الميتة بموت الجهالة والنقص ، كما تحيى الأرض الجُرُز بوابل السماء . وتمثيل القرآن بماء المطر شائع في كتاب الله ، كما في قوله : { وَٱللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ ٱلْسَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } [ النحل : 65 ] ، وكقوله يعني أَوَ لم يروا أنّا نسوق ماء العلم القرآني من سماء الملكوت العقلي وجوّ العالم الأعلى إلى أرض النفوس الساذجة المنقطعة عن شواغل الدنيا وعوائق الهوى ، فنخرج به زرع العلوم الكشفية الإلهية ، والآداب والأحكام العملية ، تتغذّى وتتقوّى بالأولى روح الإنسان وباطنه تكميلاً للقوة العقلية ، وتتروّض وتتهذّب بالثانية نفس الإنسان وظاهره تكميلاً للقوة العملية ، فإن النفس بمنزلة المركب للروح العقلي ، كما أن البدن بمنزلة المركب للنفس الحيوانية ، ولهذا استعير لفظ الرياضة الموضوعة لمن يروض الحيوان ، أي : يمنعه عن العلف لتقبل التأديب والتعليم ، لأجل النفس الحيوانية عند تسخير الروح العقلي إيَّاها ، وضبطه لها عن اللذات ، لتشايع قواها الروح في سلوكها طريق الحق وسيرها إلى الله . فكما أن القرآن يوجد فيه علوم الآخرة ومكاشفات الأسرار الإلهية والآيات الربوبية ، فكذلك يوجد فيه أحكام الحِلّ والحرمة ، وطريق المعاملات ، وكيفية المعاشرة مع الخلق ، وعلم التمدن والسياسات ، والجروح والقصاص ، والأقضية والحكومات ، فتلك الآخرة ، وهذه الدنيا على وجه تكون وسيلة للآخرة ، فافهم واغتنم . أفلا يبصرون : آي آثار الحياة العقلية ، وشواهد الأنوار الملكوتية في القلوب المهتدية بآيات المعارف القرآنية ، والنفوس التي أنبت الله فيها بمياه الألطاف الروحانية ( الرحمانية - ن ) أشجار الكلمات الطيبات ، التي أصلها ثابت وفرعها في السماء ، تؤتي أُكُلَها كل حين بإذن ربها ، وتلك الأمثال نضربها للناس .