Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 32, Ayat: 26-26)
Tafsir: at-Tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
" الواو " للعطف على معطوف عليه أمر منوي من جنس المعطوف ، والفاعل في " يَهْد " مضمر يدل عليه : " كم " ، أي كثرة إهلاكنا القرون ، لا نَفْس " كم " ، لأنها لا تقع فاعلة ، فلا يقال : " جاءني كم رجل " ، ولأن " كم " في محل النصب على تقدير الاستفهام الذي له صدر الكلام ، لأنه مفعول أهلك ، و " يمشون " في محل النصب على الحال . ويحتمل أن يكون الفاعل نفس هذا الكلام بحسب المحكي عنه ، والمعنى كقولك : " يعصم لا إله إلاَّ الله الدماء والأموال " ، أو ضمير يرجع إلى الله بدليل قراءة زيد : " نهد " بصيغة المتكلم . وقرأ يُمشّون - بضم الياء وتشديد الشين - أي : أوَ لَم يبصرهم ويبيّن لهم كم أهلكنا من القرون الماضية لكفرهم وعتوهم وارتكابهم المعاصي ، فانتقمنا منهم ، يمشون هؤلاء القوم - يعني كفار قريش - في مساكنهم ، ويمرّون في متاجرهم على ديارهم وبلادهم ، ويرون آثارهم . وقيل معناه : أنا أهلكناهم بغتة وهم مشغولون بصنايعهم ومشاؤون في منازلهم ، إن في ذلك دلالات واضحات على حقارة الدنيا والحثّ على طلب الأمور الباقية ، أَفَلاَ يسمع هؤلاء الكفّار من أهل التواريخ والحكايات ما يوعظون به من المواعظ والمنبهات . مكاشفة إلهامية " المشي في المساكن " : إشارة إلى وقوف قوم على أوائل الأنظار ومبادئ الأفكار ، وعدم خروجهم عن عتبة باب المحسوسات والأوليات مع غاية سعيهم فيما لا يعني ، ونهاية جدّهم في طلب هذا الفاني ، وهم يمشون في الحقيقة في مساكنهم ، ويجمعون تلفيقات أقوام بلا رويّة جمعاً ، وهم { ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً } [ الكهف : 104 ] . ومشاهدة هذا الحال في أكثر الجهّال المتشبهين بأرباب الكمال ، المتورطين في مواقع الهلاك والوبال ، الهائمين في أودية الشُبَه والضلال ، تنبيه بليغ وهداية واضحة ودلالة كاشفة لأهل الاستبصار والسلوك إلى عالم الملكوت وقرب الحق المهيمن المتعال ذي الجمال والجلال ، فيتفطن اللبيب الذكي ، أنهم في واد وأهل الآخرة في واد آخر ، إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون . نصيحة أهل الاستبصار لا يستنكفون عن التعلم استبداداً بالرأي ، ولا يجحدون الحق استتباعاً للنفس والهوى ، أو تقليداً وتعصباً للمذاهب والآباء ، ومما يؤيد هذا الوجه ، تعقيب هذه الآية بمثل وارد منه تعالى في غاية الملاءمة لما كنّا بصدده بحسب المضرب كما سنوجهه .