Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 32, Ayat: 3-3)

Tafsir: at-Tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لفظة : " أم " ها هنا هي المنقطعة الكائنة بمعنى كلمة " بل " الإضرابية والهمزة الإنكارية ، كأنه تعالى لما أشار أولاً إلى حقيقة القرآن وعظمته الثابتة له في عالم اللوح والقلم وقضاء الله الأتم ، ثم رتب عليه تنزيله من رب العالمين ، وأكّد ذلك بنفي الريب عنه لأهل الله والعلماء الراسخين ، فأضرب عنه إلى ما يقولون فيه ويلحدون في حقيقته إلى خلاف ذلك ، إنكاراً لقولهم وتعجيباً من جحودهم ، فإن الأمر أظهر من أن يخفى على عقلائهم ، لظهور العجز في إتيان ثلاث آيات منه عن بلغائهم ، ثم أضرب إلى إثبات ما هو بصدده من إثبات أنه الحق المنزل من الرب تعالى . ومثّل صاحب الكشاف هذا الأسلوب الصحيح المحكم ، بأن يعلل العالم في مسالة بعلة صحيحة جامعة ، قد احترز فيها أنواع الاحتراز ، كقول المتكلمين : النظر أول الأفعال الواجبة على الإطلاق ، التي لا يعرى عن وجوبها مكلف ، ثم يعترض عليه فيها ببعض ما وقع احترازه منه ، فيرده بتلخيص أنه احترز من ذلك ، ثم يعود إلى تقرير كلامه ، وتمشيته . ثم بيّن فائدة التنزيل ، وهي إنذار قوم لم يأتهم من قبل النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) ، وذلك ان قريشاً لم يبعث الله إليهم رسولاً قبله ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) ، كقوله : { مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ } [ يس : 6 ] ترجياً من الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) لهدايتهم مثل ترجّي موسى وهٰرون ، الواقع في قوله تعالى : { لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ } [ طه : 44 ] . ويحتمل ان يكون لفظ الترجّي مستعاراً للإرادة فيكون من الله تعالى . مكاشفة لمّا علمت ان نفي الريب في كون الكتاب مُنْزلاً من الله ، إنما يكون من القلوب الصافية الصحيحة ، البريئة عن مرض الغواية وآفة الغباوة ، لأن مميط الريب ودافعه لازم للقرآن غير منفك عنه ، وهو كونه بالغاً حداً من الكمال يعجز عنه بنو نوع البشر ، وإنما هو أمر فائض من خالق القوى والقدر ، وأما قول من يقول : " إنه افتراه " فهو إما قول متعنت يجحد بآيات الله مع علمه أنه من الله ، أو جاهل بليد مختوم على قلبه في أصل الفطرة ، أو غير مرتاض بالنظر والتأمل فيسمع الناس يقولون شيئاً فيتبعهم من غير رويّة فقال بما قالوه قبل التدبر . فاعلم ان الذين لم يأتهم نذير في إقامة الحجة عليهم وعدمها يوم القيامة أقسام : لأنهم إما مستعدون بحسب الفطرة لارتقاء طريق السعادة والخير أم لا ، وعلى الأول : إما أن يكونوا مقصّرين فيما لا يدرك إلاّ بالشريعة لعدم استقلال العقل به ، وأمَّا فيما سوى ذلك كمعرفة الله وتوحيده وعلمه وحكمته ، فالأوّلان لا يقام عليهما حجة ، بخلاف القسم الثالث لأن أدلة العقل وأسباب الهداية معه في كل وقت . هذا بحسب ما اقتضاه الدليل العقلي الموافق لما ذهب إليه أهل الحق من قاعدة التحسين والتقبيح العقليين ، وأما الدليل النقلي ، فالمستفاد من الأحاديث المروية عن أئمة العصمة والهداية سلام الله عليهم أجمعين : منها ما رواه صاحب كتاب الكافي الشيخ الجليل ثقة الإسلام أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني طاب ثراه ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ، عن ابن الطيار ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) ، قال : " إن الله احتج على الناس بما آتاهم وعرّفهم " .