Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 11-11)

Tafsir: at-Tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِّكْرَ وَخشِيَ ٱلرَّحْمـٰنَ بِٱلْغَيْبِ } : لكونه ذا فطرة صحيحة ، وقلب خاضع خاشع لذكر الله ، خاش من الرحمان في عالم الغيب ، وإنما أطلق هذا الاسم ، للإشارة إلى أن خشية أهل العرفان ، حاصلة من إدراك العظمة لله ، وشدة النوريَّة الالهية ، واشعة الرحمة اللامتناهية ، وليست الخشية منهم خشية العقاب ، وإلاّ لَنَاسب أن يذكر بدل اسم " الرحمان " اسم " المنتقم " أو " القهّار " أو " العدل " . واعلم أن نفي الإنذار هاهنا عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، بالقياس إلى الأشقياء المردودين ، كما يستفاد من كلمة " انما " الكائنة للحصر ، ليس بمناف لثبوته سابقاً مع انتفاء الإيمان ، وذلك لأن النفي ها هنا باعتبار . نفي ترتّب الغاية والبغية ، لأن ثمرة الإنذار ترتّبُ الإيمان ، فإذا انتفت الثمرة ، فكأنه انتفى الإنذار ، وأما الإثبات ، فهو باعتبار تحققه في نفسه ، مع قطع النظر عن التأثير ووجود الأثر ، فلا يتنافيان ، وهذا كالشمس المضيئة ، التي شأنها إضاءة وجه الأرض ، فإذا حَجَب عنها حجاب ، وحدث فوق الأرض سحاب ، فلم يستضيء منها وجه الأرض ، يصدق على الشمس حينئذ إنها مضيئة ، ويصدق أيضاً أنها غير مضيئة ، كل منهما باعتبار آخر . { فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ } : من الله له عن ذنوبه المتقدمة والمتأخرة ، كوروده في جحيم الدنيا ، ومصاحبة مؤذياتها ، وقبوله الصفات الهَيوليَّة مدة بشوم الإقتران مع أقران السوء ورؤيتهم . { وَأَجْرٍ كَرِيمٍ } [ 11 ] : ونعيم جسيم ، من جنة الأفعال والصفات ، أو الذات ، على حسب الدرجات . ولما كان قبول دعوة الحق بالإنذار ، والاهتداء بفهم الآيات والأنوار ، وطلب اليقين بحقائق الدين ، يوجب أن يحيى القلوب بالحياة الأبدية الأخروية ، ويتنوّر بروح الحقائق والمعارف اليقينية . ويتخلص من موت الجهالة ، وينجو من عذاب الأخلاق الرديّة ، وكل ما يخرج من القوة إلى الفعل ، فيحتاج إلى سبب يخرجه ، والمخرج للنفوس الميتة بموت الجهل وعذاب النقص والآفة ، إلى روح العقل المستفاد ، المضيء في دار المعاد ، وفسحة المعارف والأنوار ، الواقعة في دار القرار ، ومشاهدة الصور الحسان ، الموجودة في طبقات الجنان ، إنما يكون مبدءاً درّاكاً فعّالاً للمعقولات ، خلاّقاً للعلوم المفارقة عن هذه الماديات ، وهو الباري سبحانه ، أو ضَرْبٌ من ملائكته المقربين ، إذ لو لم يكن حصول المعارف عنده ، أو عند مُقرَّبيه ، بتأييده على سبيل الفعّالية ، لكان مفتقراً في إدراكه للمعارف والعلوم ، وخروجه من القوة إلى الفعل ، إلى مبدء آخر أجل منه رتبة وفضيلة ، فيلزم أن يكون إله العالم ناقصاً في رتبته ، مفتقراً إلى غيره في كمال وجوده ، وهو ممتنع عليه - تعالى عما يقوله الظالمون علواً كبيراً -