Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 14-14)

Tafsir: at-Tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱثْنَيْنِ } : أي رسولَينِ مِن رُسُلنَا ، وإنما أُضيفَ الإرسال هاهنا إلى الله تعالى ، وإن كان عيسى ( عليه السلام ) هو الذي أرسلهما ، لأن إرسالَه كان بأمر الله - كما قيل - ، أو لأنه لغاية قربِ عيسى ( عليه السلام ) من الله ، وتجرّده عن أغراض النفس ، واستهلاك نوره في نور الحق ، كان في مقام العبودية ، فكان فعله فعلَ الحق ، من قبيل قوله تعالى : { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ } [ الأنفال : 17 ] . ومثل قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : " من أطاعني فقد أطاع الله " . وقوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : " من رآني فقد رأى الحق " . وكما في الحديث المشهور : " لا يزال العبد يتقرَّبُ إليَّ بالنوافل حتى أحببته " . وها هنا سر آخر ، وهو أن الإنسان إذا بلغت منزلته في البراءة عن الهوى والنفس ، إلى أن مات عن نفسه ، واتّصل بعالم القدس ، يصير بحيث يفيض عليه نور الحق ، بلا توسط ملك مقرَّب أو نبي مرسَل ، فإذا كان مأموراً باصلاح النوع ، كان لغاية استعداده وقربه من الحق ، يقبَلَ منصب الرسالة أو الخلافة بلا واسطة ، وإن كان حصول هذا المقام له بنور المتابعة لمن استخلفه ، وهذا كما لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، حيث كان إماماً للمؤمنين ، وخليفةً لرسول رب العالمين ، بنَصٍّ من الله ، لأجل كرامته في نفسه ، وقربه من الله بحسب التابعية ، كما تدل عليه أحاديث كثيرة ، مثل قوله ( صلى الله عليه وآله ) : " أنا وعلي من نور واحد " وقوله : " لا تسبّوا علياً فإنه ممسوس بنور الله " ، ونظائر ذلك . وبالجملة ، بعض المناصب لِشَرَفِها ، لا بد وأن تكون من قِبَلِ الله ، بلا مشاركة أحد ، لقرب الاستعداد ، وإن كانت الأمور كلها من الله ، إلاّ أن بعضها مترتب على بعض ، وبعضها فائض من الله بلا واسطة الخلق ، وذلك كالنّبوة والرسالة والولاية ، فإن " الولي " وليٌّ بكرامة باطنية من الله ، وكذا " الحكيم " ، و " العارف " ، فإن كلاً منهما فيض ورحمة من الله ، لا يمكن انتقاله من شخص إلى آخر باختيار العباد ، وليست كذلك السلطنة والحكومة ، والقضاء والإمارة ، وتولية الأوقاف وما يجري مجراها . ولهذا ، حكي في قصة رسولَيْ عيسى ( عليه السلام ) ، كما سننقل ، أنهما قالا ، حين سألهما ملكُ القرية : " مَنْ أرسلكما ؟ " : " أرسلنا الله الذي خلق كل شيء " ومن ها هنا ، عُلِمَ أن أمثال هذه المناصب موهبة ، وإن كان للكسب فيه مدخل ما ، على وَجْه الإعداد والتقدمة ، بتوفيق من الله وتيسيره . { فَكَذَّبُوهُمَا } : أصحابُ القرية : قال ابن عباس : " ضَرَبوهُما وسَجَنوهُما " . وشَرْحُ قصتهما - كما نقل - ، أنهما لمّا قَرُبا من المدينة ، رأيا شيخاً يرعى غنيمات له ، وهو حبيب النجار ، صاحب يس ، فسألهما عن حالهما فأخبراه ، فقال : " أمعكما آية ؟ " فقالا : " نشفي المريض ونبريء الأكمَهَ والأبرص ؟ " ، وكان له ولد مريض من سنتين ، فمسحاه ، فقام ، فآمن حبيب وفشا الخبر ، فشفي على أيديهما خَلْق كثير . ورقي حديثُهما إلى الملك ، فقال لهما : " ألنا إله سوى إلهنا ؟ " قالا : " نعم ، من أوْجَدَك وآلهتَك " فقال : " قُومَا حتى أنظرَ في أمركما " فَتَبِعَهُما الناس وضربوهما وقيل : حُبِسا . ثم بَعَثَ إليهم عيسى ( عليه السلام ) رسولاً آخر لقوله : { فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ } : أي : فقوَّيناهما وشددنا ظهورَهما برسول ثالث ، يقال : " المطر يُعَزِّزُ الأرض " إذا لبّدها وشدَّها ، و " تعزَّز لحم الناقة " وقريء بالتخيف ، مأخوذاً من " العزة " و " المنعة " من " عزه ، يعزه " إذا غلبه وقهره ، أي فغلبنا وقهرنا بثالث ، وهو شمعون . وتَرْكُ ذِكر المفعول به ، وإضمارُه ، للإشْعار ، بأن الغرض ذكر المعزز ، وما لطف فيه من حسن التدبير ، حتى قهر الباطل وأذلَّ المنكِر ، وإذا انصبَّ الكلام في محطّ الغرض من سياقه ، فلا ضيرَ في طرح ما سواه ورفضِه ، كقولك : " حَكَمَ الأمير اليوم بالحق " ، منن غير ذكر المحكوم له أو عليه . وحُكِيَ ، أنه لما أُرسِلَ شمعونُ إلى أهل القرية ، دَخَل متنكّراً ، وعاشر حاشية الملك ، حتى استأنسوا به ، ورفعوا خبره إلى الملك فأنِسَ به ، فقال له ذاتَ يوم : " بلغني أنك حبستَ رجلين ، فهل سمعت ما يقولانه ؟ " قال : " لا ، حالَ الغضب بيني وبين ذلك " . فدعاهما ، فقال شمعون : " من أرسلكما ؟ " . قالا : الله الذي خَلَقَ كل شيء وليس له شريك " . فقال : " صِفَاهُ وأوجِزا " . قالا : يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد " . قال : " وما آيتكما ؟ " . قالا : " ما يتمنى الملك " . فدعا بغلام مطموس العينين ، فدعيا الله حتى انشق له بصره ، وأخذا بندقتين ، فوضعاهما في حدقتيه ، فكانتا مُقْلَتَيْن ينظُرُ بِهما ، فقال له شمعون : " أرأيتَ لو سألت إلهك حتى يصنع مثل هذا ، فيكون لك وله الشرف ؟ " . قال : " ليس لي عنك سِر ، ان إلهنا لا يُبصر ولا يسمع ، ولا يُضرُّ ولا ينفع " . وكان شمعون يدخل معهم على الصنم فيصلّي ويتضرَّع ، ويحسبون أنه منهم ، ثم قال : " إن قَدِر الهكما على إحياء ميّت آمنّا به " فدعَوا بغلام مات من سبعة أيام ، فقام وقال : " إني أُدخِلْتُ في سبعة أودية من النار ، وأنا أحذِّرُكم ما أنتم فيه فآمنوا ، وقال : فُتِحَت أبوابُ السماء ، فرأيتُ شاباً حسنَ الوجه ، يشفع لهؤلاء الثلاثة " . قال الملك : " مَنْ هُم ؟ " . قال : " شمعون وهذان " . فتعجّب الملك ، فلما رأى شمعون أن قوله قد أثَّر فيه ، نصحَهُ فآمن ، وآمنَ قومُه ، ومَن لَمْ يؤمنْ ، صاح عليهم جبرئيل صَيْحة فهلكوا . { فَقَالُوۤاْ إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ } [ 14 ] : قال شعبة : " كان اسم الرسولَين الأوَّلَيْن ، شمعون ويوحنّا ، واسم الثالث بولس " . وقال ابن عباس وكعب : " الأوَّلان صادِق وصَدُوق ، والثالث سلوم " . قالوا لهم : يا أهل القرية قد أرْسَلَنا الله إليكم .