Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 15-15)
Tafsir: at-Tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قَالُواْ مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } . فلا تصلُحُونَ للرسالة ، كما لا نصلح نحن لها ، لأن أفراد البشر أفراد نوع واحد ، والطبيعة الواحدة النوعية ، أفرادها متماثلة في استحقاقية شيء واحد بحسب ذواتها ، فكل ما جاز لأحدٍ جاز للجميع ، لكنّا نعلم بديهة ، أن ما رأينا من الأمثال غيرُ مستحقين لرسالة الله ، لغاية انكبابهم على الدنيا ، وظلمة نفوسهم ، وقساوة قلوبهم ، فالجميع هكذا ، ولذلك قالوا كما حكى الله عنهم بقوله : { وَمَآ أَنَزلَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ } [ 15 ] : هذه غاية شبهة الجاحدين للحق ، والمنكرين للبعثة والرسالة ، ولا يَبْعُدُ أن تكون إحدى الفوائد والأغراض المسوقة إليها هذه القصة ، هي حكاية هذه الشبهة ، وارتكازها في أوهام ضُعفاء العقول ، المنتسبة إلى الفلسفة ، المتشبهة بهم من الطباعية والدَّهريّة والصَّبَويَّة ، وبراهمة الهند ، المنسوبة إلى برهمان الهندي ، حيث إنهم بعد علمهم بأحوال المبدء ، وتيقنّهم بوجوده وتنزُّهه وتقدُّسه ، تحيَّروا في أحوال الآخرة والمعاد ، واضطربت أفكارهم في حقيقتها ، وحقيقة الرسالة ، وحقيقة الرسول المنذر بوقوعها ، وسعادتها وشقاوتها ، ونيرانها وجنانها ، وسلسبيلها وزَقّومها ، ومالِكها ورضوانِها ، بل صرَّحوا بنفي المعاد بعد الممات ، حيث ورد ، أن الإنسان المتكوّن من مزاج حاصل من أضداد عند امتزاج ، مهما فسد ، لا يرجى له ولغيره فيه فائدة ، فحكموا بأنه إذا مات ، مات ، ومعاده قد فات ، كما حكى الله عنهم بقوله : { مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ ٱلدَّهْرُ } [ الجاثية : 24 ] . والإنسان عندهم كالعشب والمرعى ، ينبت وينمو من الأرض ، فيصير غثاءاً أحْوى . وعلى هذه الطريقة ، جرى خصوم الخليل ( عليه السلام ) من الصابئة ، على ما حكى الله تعالى عنهم في مواضع جمّة من كتابه ، مثل قوله : { أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا } [ التغابن : 6 ] . { مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ } [ المؤمنون : 24 ] { يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ } [ المؤمنون : 33 ] . ومدار إنكارهم واستكبارهم على هذه الشبهة التي أشير إليها في مواضع من الكتاب كما قال الله تعالى : { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً } [ الإسراء : 94 ] . فَحَصَرَ الله مدارَ إصرارِهم وجحودهم ، على أن البشر لا يصلح للرسالة ، لأن أفراده مشتركون في الماهيَّة ، فمِنَ المَحال أن يختصَّ واحد منها بخاصيّة دون بعض آخر . هذه حجتُهم الداحضة ، وغايةُ إنكارهم الغامضة ، إلاّ أنها مندفعة بوجهين شريفين ، قرآنيّين ، كل منهما في غاية الاستنارة والاستحكام : الوجهُ الأول : ما وقَعَت الإشارة إليه ها هنا ، حكاية عمَّا ألْهَمَ الله به رُسُلَ عيسى ( عليه السلام ) ، جواباً عن إنكار أهل القرية رسالتَهم ، حيث ما اغتروا به بفطانتهم البتراء ، من الشبهة التي شرحناها ، وهو قوله تعالى : { قَالُواْ رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ } [ يس : 16 ] .