Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 37-37)
Tafsir: at-Tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
سَلْخُ الشيء : إخراجه من لباسه ، ومنه إخراج الحيوان من جلده ، يقال : " سَلَخَ جلد الشاة " إذا كشطه عنها وأزاله ، ومنه : " سلخ الحيّة لخرشائها " أي : جلدها ، ومنه قوله تعالى : { فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا } [ الأعراف : 175 ] أي : فخرج منه خروج الشيء مما هو لابسه ، فوقع ها هنا مستعاراً لإزالة نور الشمس وكشفه بحركتها ، عن سطوح الأجرام الأرضية الكثيفة ، أو أعماق الأجرام البخارية اللطيفة بوجه ، أو المائية المعتضدة ، لأنها كلها مظلمة الذوات ، قابلة للأنوار الكوكبية والعنصرية ، التي أصلها مستفاد من ضوء الشمس ، فإذا غربت عنها الشمس ، رجعت إلى ظلمتها الأصلية . والظلمة ليست صفة وجودية - كما توهّمه الناس - ، ولا أيضاً عدم ملكة ، أي عدم النور عمّا من شأنه قبول النور - كما زعمه المشّاؤون - حتى يجوز أن يكون بعض الأجسام خالياً عن النور والظلمة جميعاً ، بل هي مطلق عدم النور من غير شرط وقيد ، لأنّا إذا أغمضنا بصرنا وفتحناه في هواء مظلم ، لم نجد فرقاً بين الحالين ، ولم نجد إلاّ زَوالَ الإنكشاف وعدم الظهور ، ولذا قال : " فإذا هم مظلمون " أي : داخلون في الظلام عند انسلاخ النهار عن ليل الأجسام ، وزوال ضوء الشمس عن أبصار الأنام . واعلمْ أن الغرضَ المَسوقَ إليه هذه الآية ، هو الدلالة على وجوب الصانع البديع المبدع للإنسان وَمعاده ، حيث يظهر من تحقّق الليل والنهار على وجه التكافؤ ، وولوج أحدهما في الآخر ، ودخول الزيادة والنقصان عليهما على ترتيب مخصوص ، وكيفية وضع الارض ، التي هي مقرّ الخلائق من النبات والحيوان في وسط الأفلاك ، ويستعلم منها ، ومن وضع مدار الشمس التي نورها سبب وجود الكائنات على هذا الوجه ، عناية الباري سبحانه ، وتربيته الموجودات على الوجه الأكمل الأوفق . أوَلا يُرَى ، أنه لو لم تكن الأرض كثيفة قابلة للنور والظلمة ، لم يقف عندها ضوء النهار ، ولو لم تكن أيضاً في الوسط ، لم يكن نظام الكائنات على هذا المنوال ، بَلْ لأثَّر فيها النور ، إما بالإفراط أو بالتفريط ، لقربها المُفْرِط من الشمس ، أو بُعْدِها المُفْرِط عنها . وأيضاً ، لو لم تكن الشمس دوّارة حول الأرض ، لكانت دائمة التبريد أو التسخين ، فلم تفعل ما فَعَلَتْهُ مِنَ التعديل والنضج . وأيضاً ، لو لم يكن النيّر الأعظم في وسط الأفلاك السبعة ، كانت إما بعيدةً عن وجه الأرض بعداً مفرِطاً ، أو قريبةً منها قرباً مفرطاً ، ففسدت المركّبات سِيَّما الحيوانات المعتدلة الأمزجة ، إما من غاية الحرارة والتحليل ، أو من فرط البرودة والتجميد . وأيضاً ، لو لم تكن حركاتها العَرْضِيَّة الشَّرقية على هذا الوجه من السرعة والسير الحثيث ، لما فعلت اليوم والليلة بهذه المدة اليسيرة ، ولما اختلف الملوان علينا في قدر أربع وعشرين ساعة ، بل كانت مدة اليوم بليلة مقدار سنة ، ففاتت المنافع والأغراض الضرورية المترتبة على تحقق الأيام والليالي ، وتبادلهما على التتالي ، ولو لم يكن مدار حركتها السريعة ، مائلة عن مدار حركتها البطيئة ، لبطلت الفصول الأربعة ، ولكانت البقاع الواقعة تحت مدارها شديدة الحر ، ولم يصل أثر نورها إلى ما بعدت عن مدارها . ففي وجود الليل والنهار على هذا الوجه المشاهد من المدار ، دلالة عظيمة على وجود الواهب البديع ، وفيضان الخير الدائم منه على كل شريف ووضيع . وفيها أيضاً ، إشارة إلى افتقار الماهيّات المظلمة الذوات ، المعرّاة في أنفسها عن نور الوجود المنبثّ على هياكلها إلى نور الأنوار ، وشمس عالم الوجود ومنبع الخير والجود ، لأن ذاته سبحانه ، عين حقيقة النور الظاهر بذاته ، المظهر لغيره ، والماهيات الإمكانية خفيّة في ذواتها ، مكتومة في أنفسها ، والله تعالى مظهرها من مكمن الخفاء ، وموجدها ومخرجها من سر العدم إلى فضاء الشهود وسعة الوجود ، فبذاته النيّرة ينّور غسق الماهيات المظلمة الذوات ، وينشر رحمته ونوره في أهوية الهويّات ، ويطلع شمس حقيقته من آفاق حقائق الممكنات ، ويطرد العدم والظلمة عن اقليم المعاني والمعقولات ، فلو سلخ من ليل ماهيّة الممكنات نهار الوجود الفائض منه عليها لحظة ، لرجع الخلائق كلهم إلى عدمهم الأصلي وفنائهم الفطري ، فإذا هم مظلمون ، كما هو المشاهد من انسلاخ ضوء الشمس الحسي عن وجه الأجسام ودخولها في الظلام ، إلاّ ان المستنيرات الحسيّة ، إذا زال عنها النور الحسي عُدِمَت عن الحس ، وأما الممكنات المستنيرة بنور الوجود ، فإنها إذا زال عنها فيض نور الحق فعُدِمَت في أنفسها ، وهلكت بحسب حقيقتها وزالت عن العقل والخارج جميعاً ، فوجود الليل والنهار ، وتبدّل الضوء بالظلمة ، آية عظيمة دالة على وجود الحق المقيم للعالم ، المديم للممكنات على الوجه الأتمّ الأدْوَم .