Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 63-63)

Tafsir: at-Tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

واعلم أن العلم بحقيقة الجحيم والجنة والإيمان بوجودهما من المعارف التي لا بد للسالك من معرفتها ، والناس معرضون عنها إعراضهم عن سائر الآيات ، لانكبابهم على دواعي النفس والشهوات ، وهي كسائر أسرار القيامة مما يختص معرفتها بعلماء الآخرة ، وليس لعلماء الدنيا نصيب من هذه المعارف إلاّ الأسامي والرسوم . ولفظة : " هذه " ، الموضوعة للمشار إليه القريب ، مع لفظة " العِدَة " الموضوعة للأمر المتسوف حصوله ، مشعرتان بأن ماهيّة النار والجنّة من أقرب الأشياء إلى ذات العبد ونفسه وروحه ، وأن ظهور موعودهما موقوف على قيام الساعة لقوله : { وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ } [ الشعراء : 91 ] وقوله : { وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ } [ العنكبوت : 54 ] وقوله : { إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا } [ الكهف : 29 ] . والإشارة إلى ماهيّتها بوجه ، أن الإنسان ما لم يكن عارفاً بالحق لا يمكن سلوكه إليه ، والعارف ما لم يكن محباً للحق لا يمكن سلوكه إليه ، فالشوق والمحبّة ضَرْبٌ من الوصول ، وكمالُهُ هو الحشر مع المحبوب أو النزول في دار ضيافته ، فالمحبوب الحقيقي لهم هو الله ، ودار رحمته وكرامته هي طبقات الجنان ودرجاتها ، ومحبوب أهل الكفر هو الهدى والطاغوت ، ودار نُزُله وضيافته هي طبقات الجحيم ودركاتها . لكن المعرفة على درجات مختلفة : الظن ، والعلم ، والإبصار - أي المشاهدة - . " الظن " : لأهل هذه النشأة الدنيوية من حيث يكون فيها ، و " العلم " : لأهل الآخرة من حيث هم فيها ، و " المشاهدة " لأولياء الله ، الذين نشأتهم فوق هاتين النشأتين . شأن أرباب الدنيا : { أَلاَ إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآءِ رَبِّهِمْ } [ فصلت : 54 ] . وشأن أهل الآخرة : { ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ } [ الجاثية : 26 ] . وبوجه آخر : العلم في الدنيا والمشاهدة في الآخرة : { كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ } [ التكاثر : 5 - 7 ] فالأثر الذي يصل أولاً إلى السالك من مطلوبه ، الإيمان بوجوده ووجوبه ، والأثر الثاني هو الإتقان والتحقيق والمشاهدة : { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ } [ الواقعة : 95 ] . وجميع هذه المراتب ، كما يتحقق في المطلوب الخير ، كذا يتحقق في مطلوب أهل الشر ، إلاّ أن مآل المشاهدة في الأول إلى البقاء والدوام والسعادة المخلّدة ، والسرور الدائم والنعيم المقيم ، وفي الآخر الدثور والهلاك والزوال والعذاب الأليم ، والعقاب الجسيم ، فما أشد سخافة رأي أهل الظن والتخمين ، حيث يزعمون يومَ القيامة بعيداً عن الإنسان بحسب الزمان والمكان : { وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً } [ الكهف : 36 ] { وَيَقْذِفُونَ بِٱلْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } [ سبأ : 53 ] . وقد علمت فيما مرّ سابقاً ، أن أهل العلم واليقين يعلمونه قريباً بحسب الزمان والمكان : { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ } [ القمر : 1 ] { وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } [ سبأ : 51 ] { إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً } [ المعارج : 6 - 7 ] وكان نبينا ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) يشاهد خازن الجنة ويتناول من ثمارها وفواكهها ، ويشاهد النار ويتعوذ منها في صلاة الكسوف - كما روي - ، ولم يحكم بإيمان حارثة الأنصاري بالحقيقة ما لم يكن مشاهداً للجنة وأهلها يتزاورون ، وللنار وأهلها يتعاوَوْن .