Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 65-65)
Tafsir: at-Tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقرئ " يختم " بصيغة الغائب المجهول ، و " تتكلم أيديهم " وقرئ " ولتكلمنا أيديهم وتشهد " بلام ( كي ) والنصب على معنى : " ولذلك نختم على أفواههم " ، وقرئ فيها بلام الأمر والجزم على أن الله يأمر الأعضاء بالكلام والشهادة . في الكشاف : " يروى أنهم يجحدون ويخاصمون ، فيشهد عليهم جيرانهم وأهاليهم وعشائرهم ، فيحلفون ما كانوا مشركين ، فحيئنذٍ يختم على أفواههم وتكلم أيديهم وأرجلهم ، وفي الحديث يقول العبد يوم القيامة : إني لا أجيز عليّ شاهداً إلاّ من نفسي ، فيختم على فيه ، ويقال لأركانه : انطقي . فتنطق بأعماله ، ثم يخلى بينه وبين الكلام ، فيقول : بعداً لكنَّ وسُحْقاً ، فعنكنّ كنت أناضل " . واختلف المفسرون في كيفية شهادة الجوارح على وجوه : أحدها : إن الله تعالى يخلقها خلقة يمكنها أن تتكلم وتنطق وتعترف بذنوبها . وثانيها : إن الله يجعل فيها كلاماً ، وإنما نسب الكلام إليها لأنه لا يظهر إلاّ من جهتها . وثالثها : إن معنى شهادتها وكلامها ، إن الله يجعل فيها من الآيات ما يدل على أن أصحابها عصَوا الله بها . مكاشفة أَخروية إن أهل الضلال وأصحاب الشمال إذا برزوا لله ، وخرجوا من قبورهم إلى المحشر ، كانت لهم صور وأشكال على ما اقتضه صفاتهم وأخلاقهم البهيمية والسَّبُعِيَّة . وفي الحديث : " يُحشر الناس على صُوَرِ نيّاتهم " فيُحشرون في الآخرة على صور الحيوانات العجم ، المنتكسة الرؤوس ، المنقلبة الوجوه إلى أسفل ، مختومين على أفواههم ، تشهد على ضمائرهم ونياتهم هيئات أيديهم وأرجلهم ، وتشهد آذانهم على أنهم صمّ عن سماع آيات الله ، وعيونهم على أنهم عُمْي عن مشاهدة أهل الآخرة ، وجلودهم وأبدانهم على أنهم حُمْقٌ عن إدراك المعاني ، كما قال : { شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ فصلت : 20 ] . دقيقة كشفية إن الله تعالى خلق في الأكوان أصنافاً أربعة هي : الجسم العنصري ، والجماد ، والنبات ، والحيوان ، غلب على كل منها بحسب الفطرة والطبيعة إحدى الحجب من مراتب الاحتباس عن الجنان ، وزلاّت الأقدام عن القيام إلى طاعة الرحمان ، ليعلم بالبصيرة الباطنية انطلاق الحقيقة الإنسانية بحسب فطرتها العقلية عن هذه الحُجُب والقيود . بل خلق في الحيوان أصنافاً أربعة لمراتب أربع ، متحققة في أفراد الإنسان ، ليعلم أهل الشهود كيفية احتجاب أهل الجحيم وانحباسهم في شجون أودية الظلمات ، وسجون مهاوي التعلقات لأرباب الضلالات عن لقاء الله ، وينكشف عليه كيفية انكشاف وجوه أهل الرحمة وانطلاقهم عن حجب هذا العالم ، وعدم انحباسهم في ظلمات ثلاث لقوى ثلاث ، من شهوة البهيمية وغضب السَّبُعية وحيلة الشيطانية . وذلك حيث لم يتحقق علامة الانفتاح ، وطلاقة الوجه ، ونقاء الجسد إلاّ في واحد من تلك الأربعة - وهي الإنسان - ، دون غيره من الأصناف الثلاثة ، البهيمية والوحوش والطيور ، إذ فيه علامة أهل الجنة ، الذي هم " جُرْدٌ مَرْدٌ مكحلون " كما ورد في الحديث ، ولغيره علامات المحبوسين والمسجونين والمجرمين ، - فهي التقيد بالأغلال في الأعناق والأيدي والأرجل ، والإنسداد عن الارتقاء إلى عالم النور ، والاحتجاب بالأغشية الظلمانية ، كما في قوله تعالى : { إِنَّا جَعَلْنَا فِيۤ أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِىَ إِلَى ٱلأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ * وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } [ يس : 8 - 9 ] . ثم الإشارة إلى أن النفس الإنسانية باعبتار كونها عالماً مشتملاً على أصناف المكونات والحيوانات ، كمثل شاة في أول الأمر ، لها قوائم أربعة ، قيدت بثلاثة أرجل هي قواها الطبيعية والنامية والحيوانية ، وأطلقت بواحدة هي قوتها الفكرية ، خلق الله في كل واحد من الحيوانات الثلاثة - سوى الإنسان - ثلاث علامات من علامات الجحيم والعذاب ، وخلق في الإنسان أضداد هذه العلامات ، ثلاث هي كعلامات أهل الجنة . وذلك لأن لكل واحدة من تلك الحيوانات يوجد ثلاث عقد : إحداها : عقدة العمى في العين عن مشاهدة آيات الآفاق والأنفس ، ورؤية ما في كتاب الله لقراءة آياته ، والأخرى : عقدة الصمّ في الأذن عن استماع الكلام ، والثالثة : عقدة الانتكاس لنفوسها المتوجهة إلى الأغراض السفلية . ونشأ من هذه العقد الثلاث عقد ثلاث أخرى شاهدة عليها ، إحداها : اللسان الشاهدة على صمم الآذان ، وثانيها : عقدة اليدين الشاهدة على عماء العين ، والثالثة : الإنقلاب في البدن ، لشهادة الانتكاس في النفس ، فإن اللسان كخليفة الأذن ، لأن كل " أصم " فطرة فهو " أبكم " ، واليد الكاتبة كخليفة العين ، فإن " الأعمى " لا يقدر على الكتابة ، والبدن كخليفة النفس ، فانقلابه دليل انتكاسها ، كما أن انحناء الغلاف دليل انحناء السيف .