Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 78-78)

Tafsir: at-Tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

" روي أن جماعة من كفار قريش منهم أُبَيّ بن خلف الجمحي وأبو لهب والعاصي بن وائل والوليد بن المغيرة تكلموا في ذلك ، فقال واحد منهم : " ألا ترون إلى ما يقول محمد ، أن الله يبعث الأموات ؟ - ثم قال : - واللاتِ والعُزىّ لأَصِيرَنَ إليه وَلأَخْصِمنّه " وأخذ عظماً بالياً فجعل يفتّه بيده ويقول : " يا محمد أترى الله يحيي هذا بعد ما رَمّ ؟ " قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : " نعم - ويبعثكم ويدخلك جهنم " " . واختلفوا في القائل ، فقيل هو أُبَيّ بن خلف - عن قتادة ومجاهد ، وهو المروي عن أبي عبدالله الصادق ( عليه السلام ) ، وقيل : القائل هو العاص بن وائل السهمي - عن سعيد بن جبير - وقيل : أُميّةُ بن خلف - عن الحسن - . وتسمية الله قوله : { مَن يُحيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } مثلاً يحتمل وجوهاً : أحدها : أنه ضرب المثل في انكاره البعث بالعظم البالي ، وفتّه بيده ، ويتعجب ممن يقول : " إن الله يحييه " ونسي خلقه ، أي ترك النظر والتدبر في خلق نفسه ، إذ خلق من نطفة ، فإن النطفة الذائبة ليست في وهنها وبُعْدها عن الحياة أقل من العظم البالي في بُعْده عنه . وثانيها : أن كونه مثلاً لأجل ما دلّ عليه من قصة عجيبة شبيهة بالمثل ، وهي إنكارهم قدرة الله على إحياء الموتى بعد تسليمهم انشاءَه ابتداءاً . وثالثها : لما فيه من التشبيه ، لأن ما أنكر من قبيل ما سلّم من شمول قدرته تعالى بدليل النشأة الأولى . ورابعها : لاشتماله على ما يوجب تشبيهه تعالى بخلقه في العجز من احياء شيء وإيجاد ماهية ، فإن قدرته سارية في جميع الأشياء ، فإذا قيل : " من الذي يحيي العظام الرميم " كان ذلك تعجيزاً لله وتشبيهاً له بخلقه في اتصافهم بالعجز عن ذلك . و " الرميم " : اسم لما بلي من العظام ، غير صفة كالرّمة والرُّفات ولذا لم يؤنث مع كونه وقع خبر المؤنث . تبيان في هذه الآية إشارة إلى أن معرفة النفس الإنسانية أساس الإيمان بالله واليوم الآخر ، لأن قوله : { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ } يدل على أن جحود الجاحد للحق إنما نشأ من نسيان ذاته وخلقه ، فهو بمنزلة عكس لقوله : { نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ } [ الحشر : 19 ] تأمل . وَهْمٌ وتنوير ومن الفقهاء من استدل بهذه الآية على أن الحياة سارية في العظام ، ولولا أن الحياة تحلّها لما صحّ : { قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِيۤ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ } [ يس : 79 ] ، ففرّع عليه أن عظام الميتة نجسة ، لأن الموت يؤثر فيها من قِبَل أنها مما تحلّه الحياة . وهذا الاستدلال فاسد ، لأن معنى إحياء العظام الرميم ليس تصيير العظام - بما هي عظام - أحياء ، بل إحياؤها انبات أعضاء قابلة للحياة عليها ، والغرض إثبات الإعادة للإنسان وصيرورته حياً بعد موته ورمّ عظامه ، وليس الإنسان عظماً كما ليس لحماً وعَصَباً ، بل مجموعاً مركباً من العظم واللحم وغيرهما . ومعنى حلول الحياة في اللحم دون العظم - كما قيل - ليس أن اللحم بنفسه حيوان دون العظم ، بل معناه أن بعض قوى الحيوان كالقوة اللمسيّة وغيرها سارية في اللحم بتوسط الروح البخارية والعصب الحامل إياها ، وليست هي سارية في العظم ، ولهذا إذا انقطعت الحياة عن الحيوان وفارقت نفسه ، تلاشت الأعضاء النافذة فيها قوّة الحياة قريباً ، وتغيّرت فوراً دون العظم والشعر وغيرهما .