Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 9-9)
Tafsir: at-Tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا تمثيل لحالهم ، بحسب ما توجبه الأسباب والعلل الخارجية ، كما أن الأول تمثيل لحالهم بحسب ما تؤدي إليه المبادئ والهيئات الداخلية ، أي فَمَن هذه صفتهم في إعراضهم عن الحق ، وتمردهم عن قبول الإيمان والهداية وسلوك الصراط المستقيم ، فقد حلّ غضب الله عليهم وخذلانه إياهم ، فكأنه قال : تركناهم مخذولين ، وطردناهم ملعونين ، بأسباب تدعوهم إلى طريق الشر والخذلان والطرد ، إذ سدّ عليهم جوانبهم عن الوصول إلى دار النعيم ، وضيق عليهم الطريق إلاّ إلى الجحيم ، لأنهم أشقياء مردودون إلى أسفل سافلين ، مقهورون بالقهر الإلهي لا ينجع فيهم الإنذار ، ولا سبيل إلى خلاصهم من النار ، { كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ فَسَقُوۤاْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } [ يونس : 33 ] . { وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ } [ غافر : 6 ] . سُدَّتْ عليهم الطرقْ ، وأُغلقت عليهم الأبوابُ ، إذ القلب هو المشعر الإلهي ، الذي هو محل الإلهام ، فحُجِبُوا عنه بختمه وطبعه ورَيْنهِ ، والسمع والبصر هما المشعران لإدراك الإنسان الكامل ، خليفة الله في أرضه ، وهما بابان للفهم والإعتبار ، فحُرِموا عن جدواهما لطمس عيونهم ، وصمم آذانهم ، فلا يمكنهم الإنتفاع بهما ، والاستعمال لهما فيما خلقا لأجله ، لامتناع نفوذ المعنى فيهما إلى قلوبهم ، فلا سبيل لهم في الباطن إلى العلوم الكشفية الإلهامية ، ولا في الظاهر إلى العلوم التعليمية الكسبية الأدبية ، فُسَّدتْ عليهم الطريقتان . فالسد الأول : الواقع من بين أيديهم ، يوجب انسدادهم عن الوصول إلى عالم الآخرة ، وعالم الغيب والباطن ، الذي تتوجه إليه النفوس بحسب الفطرة بالموت الطبيعي . والسد الثاني : الواقع من خلفهم يوجب انسدادهم عن الانتفاع بعالم الأجسام ، وصرف نعم الله ، من الآلات والحواس الجسمانية فيما خُلِقَت لأجله ، فحُبِسوا في سجون الظلمات ، ووقعوا في شجون أودية الهوى والدركات ، مُغَشَّون بأغشية الهيئات الرديّات ، مُغَطَّون بأغطية الشواغل الماديات ، ولذا قال : { فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } أي غطيناهم ، وجعلنا على أبصارهم غشاوة عن أن تطمح إلى مرئي ، لأن شرط الرؤية مفقودة ، لأنهم في حُجُب ثلاثة ، وظلمات ثلاثة : عمى القلب أولاً ، وعمى الشواغل والتعلقات ثانياً ، وعمى الجحود والعناد ثالثاً ، فما أعظم عذابهم وما أشد حجابهم ، حيث قال الله فيهم ، اعراضاً عنهم ، وتسريحاً إيّاهم في مرتع الدواب خليعي العذار ، وتسويةً بينهم وبين الأنعام السائمة بلا قيد وعقال .