Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 8-8)
Tafsir: at-Tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم مثّل تَصْمِيمَهم على الكفر ، وأنه لا سبيل إلى تعليمهم وإرشادهم بقوله : { إِنَّا جَعَلْنَا فِيۤ أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى ٱلأَذْقَانِ } . الضمير للأغلال ، لأن طوقَ الغِلّ في عنق المغلول ، يكون في ملتقى طرفيه تحت الذقن ، حلقةٌ فيها رأس عمود خارجاً منها إلى الذقن ، فلا يتمكن معه من خفض رأسه أو قذاله . { فَهُم مُّقْمَحُونَ } [ 8 ] : رافعون رؤوسهم ، وغاضّون أبصارَهم ، من " قَمَحَ البعيرُ " إذا رَوِيَ ورفع رأسه ، وقيل للكانونَيْنِ : " شهرا قِماح " لأن الإبلَ إذا وَرَدَتِ الماءَ فيهما رَفَعَتْ رأسها لشدة بَرْدِهِ . ومنهم من جعل الضمير للأيدي على سبيل الكناية ، وإن لم تكن مذكورة ، لدلالة الأغلال والأعناق عليها ، وذلك ، لأن الغِلّ يَجْمَعُ اليد إلى الذقن والعنق ، ولا يجمع العنق إلى الذقن ، وأكَدَ ذلك بما روي عن ابن عباس وابن مسعود أنهما قرءا : ( إنّا جعلنَا في أَيْمانِهم أغلالاً ) وبقراءة بعضهم : ( في أيديهم ) . ورجح الأول بقوله : ( فهم مقمحون ) ، حيث جعل الإقماح نتيجة ما ذكر ، وإلاّ لَمْ يكن للسببية وجه ظاهر ، وبأن الإضْمارَ ضَرْبٌ من التعسف ، وعدولٌ عن الظاهر ، وعلى الوجهين لا يتفاوت المعنى ، لأن الغل لا يكون في العنق دون اليد ، ولا في اليد دون العنق . والمقصود ، تمثيل حال الجهلة الناقصين الكافرين ، أو المعاندين والمنافقين ، المعرضين عن العلم واليقين ، والحكمة والدين ، في إعراضهم عن استماع كلام أهل الحق ، بِرَجُلٍ غُلَّتْ يداه إلى عنقه ، لا يمكنه أن يبسطهما إلى خير ، وهو إشارة إلى قصور القوى العملية ، التي هي بمنزلة اليد اليسرى لها ، عن فعل الخيرات ، وترك اللذات ، وَبِرَجُلٍ طامحٍ برأسه لا يبصر مواطيء قدمه ، وهو إشارة إلى استنكاف النفس العسوفة الجحودة العنودة ، المحجوبة بفطانتها البَتْراء ، المغترة ببصيرتها العمشاء عن قبول التعلم ، والاستكبار عن الحق ، والاغترار بالعقل الجزئي ، وذلك لأن المستكبر عند استكباره ، يكون رافعاً رأسه ، لاوياً عنقَه ، شامخاً بأنفه ، لا ينظر إلى الأرض . وإنما أضاف الجعل إلى نفسه ، إمّا لأن عند تلاوة النبي ( صلى الله عليه وآله ) القرآن عليهم ، ودعوته إيّاهم ، صاروا بهذه الصفة ، فهو مثل قوله : { حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي } [ المؤمنون : 110 ] . وإما لأن الموجِدَ لهذه النفس الشقية الجاهلة ، التي كفرت بأنعم الله ، إنما خلقها لأجل تعمير هذه الدنيا الفانية ، واستخدامها لأمور حيوانية ، وهو مما يستتبع لأوصاف وأخلاقٍ ذميمة ، وهيئات رديئة ، ينشأ منها هذه الحالات عند سماع الآيات ، لأنها ما خُلِقَتْ لأجل السعادة الأخروية ، بل خُلِقَتْ لأشياء أُخَر ، لو لم تكن هي لوقع الضرر في أشياء شريفة ، رُوعي جانبُها ولفتها ( لمها ) فافهم .