Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 56, Ayat: 39-40)
Tafsir: at-Tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أي : طائفة من الأمم السابقة ، وطائفة من مؤمني هذه الأمّة . قال الحسن : سابُقوا الأمم الماضية أكثر من سابقي هذه الأمّة ، وتابعو الأمم الماضية مثل تابعي هذه الأمّة ، ويوافقه قول مقاتل وعطاء وجماعة من المفسّرين ، والأرجح أنّ الثُلّتين جميعا من هذه الأمّة - كما دلّ عليه الحديث المنقول آنفاً - وهو أيضاً قول مجاهد والضحّاك واختيار الزجّاج . وممّا يؤيّد هذا ، أنّ نوع الإنسان منذ أوّل بعثة آدم كان سالكاً سبيل الحقّ بالاهتداء ، متدرِّجاً في الترقي والاستعلاء ، متطوّراً في أطوار الكمالات من جهة تلاحق الاستعدادات ، وظهور الأسماء بمقتضى بعثة الانبياء ، ونزول الآيات وترادف المعجزات بحسب خصوصيّات الأزمنة والأوقات ، حتّى وصلت النوبة في السعادة والاهتداء ، إلى ظهور نبوّة خاتم الأنبياء ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فبلغ الترقّي في الكمال إلى منتهاه ، ووصل الروح الآدميّ إلى مبتغاه بحسب الفطرة الثانية والنشأة الباقية . وحكي عن أرسطاطاليس الحكيم أنّه قال : وراء طور العقل طور آخر ، لكنّه إنّما يكون لأهل آخر الزمان ، كما أنّ طور الحواسّ كان للأوايل ونبيّهم إدريس ، فاطّلعوا بحواسّهم على ما في السموات من عدد الكُرات الفلكيّة والكواكب وهيآتها وحركاتها ، ثمّ طور الوهم والهمّة كان لبني اسرائيل وكان نبيّهم موسى ، وكان إذا تأذّى من قوم يهلك منهم بلحظة ألوفاً كثيرة . ثمّ طور العقل فهو لنا . ثمّ طور وراء طور العقل يكون لأهل آخر الزمان . ثمّ قال رجل من الفلاسفة كان بعده . صدق فيما قال أرسطو ، ونبيّ هؤلاء محمّد بن عبد الله العربيّ ، فإنّه اطّلع على أمور بحسب الوحي من الله لم يدركها من كان قبله ، ثمّ إنّ فضيلة هذا النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على ساير الأنبياء تدل على فضيلة أمّته على ساير الأمم ، كما في قوله : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } [ آل عمران : 110 ] . وزيادة الشرف والفضيلة في النبي تدلّ على كثرة عدد الصحابة والتابعين والأئمّة الهداة والمأمومين والأتباع الصالحين والأشياع المؤمنين . وممّا يؤيّد هذا القول ويعضده من طريق الرواية ، ما رواه نقلة الأخبار بالاسناد عن ابن مسعود قال : " تحدّثنا عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ليلة حتّى أكثرنا الحديث ، ثمّ رجعنا إلى أهلنا ، فلمّا أصبحنا غَدَوْنا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : عُرِضَت عليَّ الأنبياء الليلة بأتباعها من أممها ، فكان النبيّ يجيء معه الثلّة من أمّته ، والنبيّ معه العصابة من أمّته ، والنبيّ معه النفر من أمّته ، والنبيّ معه الرجل من أمّته ، والنبيّ ما من أمّته أحد ، حتّى أتى أخي موسى في كبكبة من بني اسرائيل ، فلمّا رأيتهم أعجبوني ، فقلت : ربي من هؤلاء ؟ قال : هذا أخوك موسى بن عمران ومَن معه من بين اسرائيل . قلت : يا ربّ ، فأين أمّتي ؟ قال : انظُر عن يمينك . فإذ ظراب مكّة قد سُدّت بوجوه الرجال . فقلت : مَن هؤلاء ؟ فقيل : هؤلاء أمّتك ، أرضيتَ ؟ فقلت : ربِّ رضيتُ . وقال : انظر عن يسارك . فإذا الأفق قد سُدّ بوجوه الرجال . فقلت : يا ربّ مَن هؤلاء ؟ فقيل : هؤلاء أمّتك . أرضيتَ ؟ فقلت : ربِّ رضيتُ . فقيل : إنّ مع هؤلاء سبعين ألفاً من أمّتك يدخلون الجنّة بلا حساب ، قال : فأنشأ عكاشة بن محصن من بني أسد بن خزيمة ، فقال : يا نبيّ الله ، ادعُ ربّك أن يجعلني منهم . فقال : اللهمّ اجعَله منهم . ثمّ أنشأ رجل آخر فقال : يا نبيّ الله ، ادع ربّك أن يجعلني منهم . فقال : سبقك بها عكاشة . فقال نبيّ الله - صلوات الله عليه - : فِداكم أبي وأمّي ، إن استطعتم أن تكونوا من السبعين ألفاً ، فكونوا . وإن قصرتم وعجزتم فكونوا من أهل الظراب ، وإن عجزتم وقصرتم فكونوا من الأفق . وإنّي قد رأيت ثمّة أناساً كثيراً يتهارشون كثيراً . فقلت : مَن هؤلاء ؟ ومَن السبعون ألفا ؟ فاتفق رَأْيُنا على أنّهم ناس ولدوا في الإسلام فلم يزالوا يعملون به حتّى ماتوا عليه ، فانتهى حديثهم إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : ليس كذلك . ولكنّهم الذين لا يسرقون ولا يتكبّرون ، ولا يتطيّرون وعلى ربّهم يتوكّلون . ثمّ قال : وإنّي لأرجو أن يكون من تبعني ربع أهل الجنّة . قال : فكبّرنا ، ثمّ قال : إنّي لأرجو أن يكونوا ثُلث أهل الجنّة ، فكبّرنا . ثمّ قال : إنّي لأرجوا أن يكونوا شطر أهل الجنّة . ثمّ تلا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } " .