Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 56, Ayat: 41-41)

Tafsir: at-Tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثمّ ذكر سبحانه أصحاب الشمال ، وعجب رسوله من حالهم ، وهم الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى جهنّم ، أي قعر العالم ، كما أفصح عن اسمها ، يقال : بئر جهنام إذا كانت بعيدة القعر . أو الذين يأخذون كتبهم بشمالهم ، أي من جانب الحسّ والطبيعة ، وقد مرَّ بيان أنّ المعنيين متلازمان . وبيانه بوجه آخر : انّ النفس الكليّة الموصوفة بالقوّتين - المعبّر عنها بلسان الشرع بـ " اللوح المحفوظ " - ظلّ للعقل الكلّي - المعبّر عنه بـ " القلم الأعلى " و " النور المحمّدي " ، لقوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : " أوّل ما خلق الله نوري " . كما أنّ الطبيعة ظِلّها ، فما لم تمتدّ من ظِلّ النفس وبقيَت في درجة النوريّة سُمّيت بالزمّردة الخَضراء ، وما امتدّ من ظِلّ النفس فتسمّى طبيعة وكان امتدادها على جوهر الهيولى المظلمة ، فظهر من جوهر الهيولى والطبيعة الجسم الطبيعي مظلماً ، ولهذا شبَّهوه بالفحمة السوداء ، وفي هذا الجسم ظهرت صور هذا العالَم وأشكاله . فكما علمت هذا في النفس الكلّية ، فاعلم أنّ الحال في النفوس الجزئيّة هكذا ، لأنّها رقائق للنفس الكلّية ، فلكل نفس جزئيّة جانبان : الأعلى وهو اليمين ، والأسفل وهو الشمال . وليس لها الانتقال من طرف إلى طرف إلاّ أفراد النفوس الإنسانيّة ، فإنّ كلاّ منها كطير له جناحان ، بأحدهما يطير إلى فوق - وهو القوّة النظريّة - وبالآخر يهوي إلى تحت ، وهو القوّة العمليّة ، فمن طارت نفسه إلى العالم الأعلى ، إمّا بقوّة ذاته كالمجتهدين العارفين ، أو بقوّة غيره كالمقلّدين المريدين ، فهو من أهل السعادة الأخرويّة ، إمّا من الفائزين المقرّبين ، أو من أصحاب اليمين الناجين . ومن هَوَتْ نفسه إلى العالَم الأسفل ، ونزلت درجته إلى درجة الطبيعة والحواسّ ، فهو من أهل الشقاوة الأخرويّة ، وأصحاب الشمال والوَبال ، لرُكونه وسكونه إلى عالَم الطبيعة . فإذا زالت عنه القوى الطبيعيّة ، ونفدت منه هذه الحواسّ ، كان كانسان مقطوع الأعضاء ، ممثول الأطراف في ظلمة شديدة لا أوحش منها ، فما أصعب حال أصحاب الشمال ، وما أشدّ نكال أهل الظلمة والوبال . فأراد سبحانه أن يكشف عن سوء أحوالهم وقبح وبالهم :