Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 57, Ayat: 13-15)

Tafsir: at-Tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ حمزة : " انْظِرونا " ، بقطع الهمزة وفتحها وكسر الظاء ، من " النَظِرَة " ، وهي : الإمهال . أطلق على الإيطاد والتبطّي في المشي إلى أن يدرك المتأخر المتقدم . وقرأ الباقون : " انْظُرونا " بهمزة الوصلة المضمومة ، أي : انتظرونا ، لأنهم كالبروق الخاطفة مسروع بهم على ركاب تذف ، وهؤلاء مشاة حفاة بطيئو السير ، أو انظروا إلينا لنستقبلكم بوجوهكم فنستضيء بكم ، لأن النور قدّامهم فيحصل الاقتباس من نورهم عند المواجهة . وقرأ أبو جعفر وابن عامر ويعقوب : " لا تؤخذ منكم " بالتاء لتأنيث الفاعل ، وقرأ الباقون بالياء ، للفصل الواقع بين الفعل والفاعل ، ولأنّ التأنيث غير حقيقي . وقرئ : " الغُرور " بضم الغين ، معناه الاغترار - بتقدير المضاف ، أي وغرتكم بالله سلامة الاغترار ، أي سلامة حالكم مع اغتراركم . وقال الزجّاج : الغرور : كل ما غرّ من متاع الدنيا . وقوله : " يقول " بدل : من : " يوم ترى " ، يعني : ذلك اليوم ، يومَ يقول أهل النفاق للذين آمنوا ظاهراً وباطناً : " انْظُرونا نستضيء بنوركم ونبصر الطريق فنتخلص من هذه الظلمات " ، لان المنافقين إذا خرجوا من قبورهم اختلطوا فيمشون في نورهم ، فيسرع المؤمنون بقوة إيمانهم ، فيتباعد المنافقون عنهم بالتخلف ، فيقطع أثر نورهم عنهم . قيل ارجعوا وراءكم : القائل : إما المؤمنون ، أو الملائكة الهادون لهم . ارجعوا إلى الموقف خلفكم فالتمسوا هنالك النور حيث أُعطيناه ، فمن ثم يقتبس ويحمل ، فيرجعون فلا يجدون نوراً لظنهم أنهم أخذوا النور من موضع هناك ، ولا يعلمون أن هذا النور يُكتسب في الدنيا بتحصيل سببه - وهو الإيمان - ، بل هذا النور وهو نفس الإيمان والمعرفة ليظهر إشراقه عند القيامة . وقولهم : " ارجعوا " ، توبيخ في صورة الأمر ، لاستحالة هذا الرجوع أو التناسخ . أو أمر بمعنى : تنحّوا عنا خائبين ، فالتمسوا نوراً آخر فلا سبيل لكم إلى هذا النور . وهو إقناط وتخييب لهم ، لأنهم يعلمون أن لا نور وراءَهم ، ويحتمل أن تكون للمنافقين مرتبة ضعيفة من النور غير كافية للمشي إلى الجنة وهم يدعون الزيادة ، فوقع المنع لهم من المؤمنين : أن ليس لكم إلا ما اكتسبتم من خلفكم - أي الدنيا - فارجعوا من هذا الاطّلاع على ما وراءكم فالتمسوا نوراً من عملكم واكتفوا به ضرورة ، فيكون امراً تحقيقاً . فضُرب بينهم - أي بين الفريقين - بسور : والباء مزيدة - أي حجاب حائل بين شق الجنة وشق النار . وقيل : هو حائط بين الجنة والنار . وقيل : هو الأعراف . له باب - أي : لذلك السور باب ، وقيل : أي طريق لاهل الجنة يدخلون إليها . باطن السور أو الباب الذي يلي الجنة ، فيه الرحمة ، وظاهره الذي يظهر لاهل النار - من قِبَله - أي من عنده ومن جهته ، العذاب ، وهو الظلمة والنار . ينادونهم - أي : ينادى المنافقون المؤمنين : ألم نكن معكم في الدنيا والمنازل والمساجد نصلّي كما تصلّون ونصوم كما تصومون - بناء على أنّهم وافقوا المؤمنين في الأعمال الظاهرة من الصلاة والصيام وغير ذلك - قالوا بلى كنتم معنا في ظواهر الأعمال دون بواطن النيّات والمعارف - ولكنكم فتنتم أنفسكم - أي محّنتموها بالنفاق وأهلكتموها . وقيل أثمتم ، وتربّصتم - أي : انتظرتم بالمؤمنين الدوائر ، أو بالنبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) كما قالوا : { نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ } [ الطور : 30 ] . وقيل دافعتم الأوقات بالإيمان بالله ورسوله على الإخلاص . وقيل : أخرتم التوبة ، - وارتبتم - أي : شككتم في حقيقة الإسلام . أو في البعث ، - وغرتكم الأماني - الكاذبة والآمال الطويلة ، - حتى جاء أمر الله - وهو الموت وما بعده . - وغرّكم بالله الغَرور - أي : الشيطان ، بأن الله لا يعذّبكم لأنه غفور كريم ، ولم يفقهوا أن منشأ العذاب خسّة جوهرهم وقبح سريرتهم ، أو الاغترار والطمع في الدرجات الأخروية من غير سبق عمل ، كما حكى الله عن بعضهم : { وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنْقَلَباً } [ الكهف : 36 ] . - فاليوم لا يؤخذ منكم فدية - أي : ما يفتدى به ، - ولا من المعلنين بالكفر ، - هي موليـٰكم - ، أي هي أولى بكم ، كما في قول لبيد : @ فَغَدَت كلا الفرجين تحسب أنه مولى المخافة خلفَها وأمامَها @@ أو : هي ناصركم ، أي : لا ناصر لكم سواها . والمراد نفي الناصر على القطع . ومن هذا القبيل قوله تعالى : { يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَٱلْمُهْلِ } [ الكهف : 29 ] ، ونحو قول العلماء : الحق تعالى موجود لذاته بذاته في ذاته . أي : لا لغيره ولا بغيره ولا في غيره . وقيل : تتولاكم كما تولّيتم في الدنيا وأعمال أهل النار . مكاشفة إعلم أن الدرجات الأخروية ودركاتها تتوزع على الحسنات والسيئات ، فإن مبادئ أحوال الآخرة أحوال الدنيا ، لأن الدنيا عبارة عن حالتك قبل الموت ، والآخرة عبارة عن حالتك بعد الموت ، وقدومِكَ إلى الله ، فدنياك وآخرتك صفاتك وأحوالك ، يسمى الداني منها " دنياً " ، والمتأخر " آخرة " ، وهما من جنس المضاف ، يعرف مفهوم كل منهما مع الآخر ، والانتقال من الأولى إلى الأخرى كالانتقال من المحسوس إلى المعلوم ، ولهذا المعنى قيل : " مَنْ فَقَدَ حِسّاً فَقَدَ عِلْماً " . فالآخرة نشأة علميّة ، وكما أن في هذا اليوم المعلومُ غائبٌ ، والمحسوسُ حاضرٌ ، ففي يوم الآخرة على عكس ذلك ، يتجلّى الغائب ويخفى الظاهر ، لأنها { يَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَآئِرُ } [ الطارق : 9 ] ، ونحن الآن نتكلم في هذه النشأة الدنيا الحسية من النشأة الأخرى العلمية ، ولا يتصور شرح النشأة العلمية لمن هو في عالم المحسوس - من حيث هو في عالم المحسوس - إلاَّ بمثال ، فإن من تفطّن بالعقليات فهو إنما يعقلها من حيث كونه في عالم المعقول ، كما قال الله تعالى : { وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ ٱلْعَالِمُونَ } [ العنكبوت : 43 ] . وما ذاك لأن هذا العالم نوم بالإضافة إلى ذلك العالم ، كما قال ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : " الناس نيام ، فإذا ماتوا انتبهوا " . وما سيكون في اليقظة لا يتبيّن في النوم إلاّ بضرب الأمثال المحوجة إلى التعبير ، وكذا ما سيكون في يقظة الآخرة ، لا يتبيّن في نوم الدنيا إلاّ في كسوة الأمثال على طرز ما يثبت في علم التعبير ، فإن التعبير من أوّله إلى آخره أمثلة ، فيعرفك ممارسة ذلك العلم طريق ضرب الأمثال . وليس للأنبياء ( عليهم السلام ) أن يتكلموا مع الخلق إلاَّ بضَرْب الأمثال ، لأنهم كلّفوا أن يكلّموا الناس على قدر عقولهم لأنهم في حالة النوم ، والنائم لا يكشف له شيء إلاَّ بمَثَل ، فإذا ماتوا انتبهوا وعرفوا أن المثل صادق . وإنما يعنى بالمثل أداء المعنى في صورةٍ إن نُظر إلى معناه وُجِدَ صادقاً ، وإن نُظِر إلى صورته وُجد كاذباً . فإذا تقرر هذا فنقول : هذه الآية مثال يوضح به سوء عاقبة حال أهل النفاق ، ووخامة مآل المغرورين من الجهّال ، المتشبّهين بأصحاب الكمال ، فإنهم باشتغالهم بظواهر الأعمال الحسنة الممدوحة عند الجمهور - كمدارسة العلوم وفعل الطاعات - ، ظنّوا أنفسهم علماء أخياراً ، وهم مع ذلك من الحمقى الأشرار ، وهم عند أنفسهم من المقرّبين ، وفي نفس الأمر من الفجّار المنافقين ، والله يشهد أنهم لكاذبون . وذلك لأنهم لم يراقبوا قلوبهم ، ولم يهذّبوا أعمالهم من الأغراض الدنيوية والشهوانية ، فإذا انكشف الغطاء ، وارتفع الاشتباه والمغالطة ، ظهر أن قلوبهم من أنوار المعرفة خلاء ، وأيديهم من آثار الهداية صفر ، وهم في ظلمة الجهل والاغترار مغروقون ، وفي مضائق عالم الجهل محبوسون ، لا ينكشف لهم من طريق الحق موضع قدم لفقد نور البصيرة عنهم أصلاً ، ولا في باطنهم قوة السلوك إليه رأساً . وذلك لعدم قصد منهم وتوجّه لهم شطر الحق خالصاً ، أما الإدراك : فلم يدركوا إلاّ اعتقادات موروثة تعصبية مبتنية على أغراض نفسانية ، فرسخت في قلوبهم وصارت مسامير مؤكدة ، لان طبائعهم كانت أليفة إليها في مبادئ النشوء أنيسة بها ، وقد أخذوها من معلّميهم بحسن الظن في أول التعاليم ، فصارت حجاباً لهم عن إدراك الحقائق الحقة ، فبقوا في ظلمة شديدة ولا أوحش منها . وأما العمل : فإنه فرع العلم ، فمتى لم يكن المعبود في التصوّر معبوداً حقاً ، لم تكن العبادة له عبادة للحق ، فلم ينتج ذهاباً إليه وقرباناً منه . فنقول : قوله سبحانه : انْظُرونا نقتبس من نوركم - مثال لحال بعض المتشبهين بالعلماء من أهل الظاهر ، حيث انتبه قليلاً في آخر أمره عند خمود حرارة الشهوات والأغراض الدنيوية ، وانطفاء أنوار الحواس ، وفتور القوى ، على فقدان نور المعرفة ، وبرد اليقين في قلبه ، ومع ذلك مغرور من جهة أنه يظن أنه بأدنى اشتغال إلى التعلم ، وطلب استفاضة أنوار المعارف من حامليها من المعلّمين على الحقيقة ، يصير ذا علم ومعرفة ونور عقليّ ، فيتوجه نحو المؤمنين حقيقة والعلماء حقّاً ، فيخاطبهم ويأمرهم بالتوجه إليه والإلتفات نحوه قائلاً : انْظُرونا نقتبس من نوركم - ظناً منه أن ذلك منّة عليهم ، لأنه من جملة المعتبرين عند نفسه وعند بعض الحمقى الجاهلين . فالعلماء حقاً ، لحسن إرشادهم وغاية إشفاقهم على أمثاله من الناقصين ، يهدونهم طريق السلوك إلى الحق ، ويرشدونهم إلى كيفية استفاضة المعارف قائلين : إن لكل مسألة من المسائل الإلهية والأسرار الناموسية مبادئ ومقدمات ، لا يمكن التفطن إلى تلك المسألة إلاَّ بعد تفطنها ، سواء كان بحدس وحركة سريعة - كما هي طريقة الأنبياء والأولياء وذوي الأبصار - ، أو بفكر وحركة بطيئة - كما هي طريقة العلماء والنّظار وأولي الاعتبار - ، وقبل الخوض في العقليات واستحصالها ، يجب الاشتغال بعلم اللغة ، والنحو ، والصرف ، وعلم الأخلاق ، وعلم الحلال والحرام ، ومن لم يحصّل شيئاً منها على وجهه مع نيّة صادقة واخلاص في العمل ، لا يمكنه الدخول في فقه الأسرار وعلم الأنوار ، لقوله تعالى : { وَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا } [ البقرة : 189 ] فقوله تعالى : { قِيلَ ٱرْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً } [ الحديد : 13 ] ، إشارة إلى هذا الحال . ومن هذا القبيل ، ما حكاه الله سبحانه عن حال الجاهلين المغرورين من أصحاب النار ، وامتناع استفاضتهم المعارف من المعلمين والرؤساء الذين هم من أصحاب الجنة بقوله سبحانه : { وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ } [ الأعراف : 50 ] ، أي من ماء المعارف الإلهية التي تكون بها الحياة الأخروية العقلية ، أو شيء من سائر العلوم العقلية التي رزقها الله للعلماء مزيداً لكمالهم وحالهم : { قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلْكَافِرِينَ * ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا فَٱلْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هَـٰذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ } [ الأعراف : 50 - 51 ] . ومثال هذه الحكاية : أن رجلاً شيخاً من الجهّال كان بليداً في أصل الفطرة ، فاشتغل في أيام عمره بشيء من العلوم التي لا تسمن ولا تغني ، ثم تصدّى للأمور الدنيوية كالقضاء وتولية الأوقاف وغيرهما من الأعمال التي يتقلدها المتشبهين بأهل العلم في أكثر الأزمان - من غير استئهال - ، وهذا الشيخ الجاهل البليد ، لم يتعلم أيضاً من المقدمات شيئاً يعوّل عليه في اكتساب العلوم اليقينية ، ولم يمارس المقاصد الإلهية أصلاً ، فيقول لعالم رباني ارتاضت نفسه بفنون من العلوم العقلية وغيرها : " أفِض على قلبي دقائق علومك الإلهية " ، فيقول : " إن الله حرمه على الجاهلين " . معناه : ان الاستعداد لقبوله ، إنما يكتسب بذكاء أصلي وممارسة طويلة ، بعد تعلّم ما يتوقف عليه من العلوم الأدبية وغيرها ، مع اخلاص في النيّات ، وتنزّه عن الفحشاء والمنكر والبغي - من الأغراض الشهوية والغضبية والشيطانية - ، وإذا بطل الاستعداد وفاتت المناسبة الأصلية فاستحالت الاستفاضة وحَرُمت ، كما يستحيل إفاضة العلوم العقلية على أجسام البهائم والسباع التي لا شغل لها سوى طاعة الشهوة والغضب التي أمرت نفوسها ، لأن الناطقة التي خدمت القوة الشهوية ، منزلتها منزلة أبدان البهائم المطيعة لنفوسها ، بل أنزل منها رتبة - كما بينّاه في تفسير قوله تعالى : { أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ } [ الأعراف : 179 ] . وأما قوله تعالى : فضُرِب بينهم بسور له باب - إلى آخره - ؛ فهو مثال لصورة الشريعة الحقة التي ظاهرها حصن يحرس الناس عن المقاصد والأعمال القبيحة ، والعقائد الباطلة ، ومن تَطَرّق إغواء المضّلين والشياطين من أهل البدع والمذاهب الجاهلية . وباطنها أسرار حقة وأنوار محضة ، بها يصل العبد إلى رحمة الله ورضوانه ، فالشريعة سوط الله بها يسوق عباده إلى رضوانه ، فمن نظر إلى صورة السوط الذي هو لأجل تأديب المستعدين ، لم ير منه إلاَّ أنه عذاب اليم ، ومن نظر إلى الغرض المكمون في باطنه يعلم أنه محض الشفقة . وكذا من اغترّ بظواهر الشريعة من غير تدبّر في أسرارها وبواطنها ، لم ير فيها إلاَّ تعب الجوارح ورياضة الجسد الموجب لظلمة الإعياء ، لا سير الفكر الموجب لزيادة النور في قلوب العقلاء ، فيثقل عليه حملها والعمل بها ، لعدم اطّلاعه على المقصود منها . أَوَ لاَ تَرَى إلى الصلاة { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَاشِعِينَ } [ البقرة : 45 ] فإنها قرّة عيونهم ، كما قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : " جعل قرّة عيني في الصلاة " . @ ظاهرش برتن لئيمان بند باطنش بردل حكيمان بند @@ وأما قوله تعالى : { أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ } [ الحديد : 14 ] : حكاية لحال المنافقين المغترّين بأعمالهم التي توافق أعمال المستبصرين في الصورة ، إلاَّ أنها كانت مشحونة بأنواع الأغراض الشيطانية والشرك الخفي ، من طلب الجاه والمنزلة عند الناس ، والتفوّق على أهل الله بسبب التقرب إلى الظَلَمَة والأمراء ، وتعجّبهم من تخلّفهم عن مراتب الرجال ، وسلوكهم طريق الضلال مع توافقهم مع هؤلاء في الأفعال والأعمال . وقوله تعالى : { قَالُواْ بَلَىٰ وَلَـٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ } [ الحديد : 14 ] - إلى آخر الآية - كشف فضائحهم ، وإيضاح أحوالهم ، وهتك أستارهم ، لان الآخرة يوم الحساب ويوم تُبلى السرائر . أي : جعلتم أنفسكم بسبب مباشرة تلك الأعمال ممتحنة بفنون الأغراض الدنيوية والمحن الشديدة حالاً أو مآلاً ، كل ذلك طلباً للجاه الوهمي وتهالكاً على الترأس الخيالي والتبسط في البلاد ، والشهرة عند العباد ، وتربصتم الفساد والهلاك - ولو ضميراً - لمن خالفكم ولم يصدّقكم في آرائكم الباطلة ، ولم يمكنكم في طلب الترفّع وإن كانوا على الحق ، وأضمرتم النفاق والفساد لأهل الحكمة والمعرفة - وهم المؤمنون حقّاً - ، وشكّكتم في دينكم منذ كنتم لتصادم الشكوك وتعارض الأدلّة التي لا يخلص منها إلا المخلصون - وهم على خطر عظيم وخوف ووجل شديد - وغرّتكم الآمال التي منشؤها ظواهر الأعمال ، وغرّكم بالله الشيطان ، وشركه وحبائله وخدعه وغروره ، أكثرها يعتري المنتسبين إلى العلوم الدينية من غير تهذيب الباطن - عصمنا الله وإخواننا الصالحين حيثما كانوا - . وعلى ما ذكر يكون شديد المناسبة إليه .