Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 57, Ayat: 24-24)
Tafsir: at-Tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ نافع وابن عامر : { فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ } وهو في مصاحف أهل المدينة والشام كذلك ، والباقون بإثبات { هُوَ } لوجوده في مصاحفهم . والضمير ينبغي أن يكون فصلاً ، لا مبتدأ ، لأن حذف الفصل أسهل - إذ لا موضع له من الأعراب - بخلاف المبتدأ ، ألا ترى أنه قد يحذف فلا يخل بالمعنى . وقرئ : " بالبخل " . وقوله : { ٱلَّذِينَ } بدل من قوله : { كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } [ الحديد : 23 ] كأنه قال : لا يحب الذين يبخلون . وفيه دلالة على أن ذا الفرح المطغي متكبر بما أوتي ، فخور على الناس . وإذا رزق هو وأشباهه مالاً وحظاً من الدنيا فلابتهاجهم به والتذاذهم منه وعزته لديهم ، وعظمته في أعينهم - لاجل قصور عقلهم ونقص فطرتهم وخلل جوهرهم - يَزوونه عن حقوق الله ويبخلون به ، ولا يكفيهم ذلك حتى يأمروا الناس بالبخل ويحملوهم عليه ، ويرغبوهم بالإمساك ويزيّنونه لهم ، وذلك كله من نتائج فرحهم به وبطرهم عند إصابته ، والفرح بالمحقرات الدنيّة الدنيويّة من لوازم قصور الذات وخسّة الجوهر وقلة العقل ، حيث لم يتنبّه بدثورها وفنائها ، ولما كان الابتهاج بمتاع الحياة الدنيا ، والبخل عن أداء الحقوق الواجبة وغير ذلك من ذمائم الأخلاق ، ناشئة عن التوجه إلى الجنبة السافلة المستلزم للإعراض عن الحق والتولي عن قبول أوامره - كالإنفاق - ونواهيه - كالبخل - ، أشار إلى أنه غنيّ عن العباد وانفاقهم ، محمود في ذاته ، لا يقدح في كمال ذاته ووجوب وجوده الإعراض عن شكره . مكاشفة إن في قوله : " هو الغني الحميد " من التهديد ما لا يخفى ، للإشعار بأن الأمر بالإنفاق لمصلحة تعود إلى المنفق ، فإذا فات عنه ما هو المصلح لذاته ، المذكي له عن ذمائم الأخلاق - كالبخل وحب الدنيا الذي هو رأس كل خطيئة - ، كانت عاقبته السوء . وليس في بخل العبد وإمساكه ضرر على الله تعالى ، بل الأمر بالإنفاق والتأكيد فيه ، إنما وقع من الله تعالى لغاية رحمته على عباده ، حيث هداهم طريق التخلص عن عذاب الأخلاق الذميمة في الدنيا والآخرة ، مع كونه غنياً عن العالمين فكيف عن العبد وانفاقه . وقد بالغ في الحث على الإنفاق ، حتى طلب الصدقات منهم بقوله : { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } [ البقرة : 245 ] وقال : { وَيَأْخُذُ ٱلصَّدَقَاتِ } [ التوبة : 104 ] . وقد سلكت طائفة من المخذولين طريق الإباحة وقالوا : إن الله غنيّ عن إنفاقنا ، وغنيّ عن أن يستقرض منا ، فأي معنى لقوله تعالى : { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } [ البقرة : 245 ] ولو شاء اطعام المساكين لأطعمهم ، فلا حاجة لنا إلى صرف أموالنا إليهم . كما قال الله تعالى حكاية عن الكفّار بقوله : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ مِمَّا رِزَقَكُمُ ٱلله قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطْعَمَهُ } [ يس : 47 ] . وقال تعالى أخباراً عنهم : { لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا } [ الأنعام : 148 ] . فانظر كيف كانوا صادقين في كلامهم ، وكيف هلكوا بصدقهم . فسبحان من إذا شاء أهلك بالصدق ، وإذا شاء أصعد بالجهل . @ كه آدم راز ظلمت صد مدد شد زنور ابليس ملعون أبد شد @@ رُبَّ تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه . رُبَّ رجل فقيه متعبّد ، يكون فقهه وتعبّده سبباً لهلاكه ، ورُبّ جاهل مُذنب يكون تحسّره وحزنه على قصوره وعصيانه سبباً لنجاته { يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً } [ البقرة : 26 ] . فهؤلاء لما ظنوا أنهم استخدموا لأجل المساكين أو لأجل الله ، تحيرت عقولهم وضلّت أفهامهم فقالوا : لا حظّ لنا في المساكين ، ولا حظّ لله فينا وفي أموالنا أنفقنا أو أمسكنا ولم يعلموا أن المسكين الآخذ لمالك ، يزيل - أو يقلل - حب البخل وحب الدنيا من باطنك ، فإنه مهلك لك ، فهو كالحجّام يستخرج الدم من عروقك ليخرج العلة المهلكة من باطنك . ولما كانت الصدقات مَطْهَرةً للبواطن ومَزْكَاةً لها عن خبائث الصفات ، وغسّالة لذنوبهم - لأن بالمال يتمكن الإنسان من المعاصي - ، امتنع رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) من أخذها وانتهى عنها ، كما نهى عن كسب الحجّام ، وسمى الصدقات أوساخ أموال الناس ، وشرّف أهل بيته بالصيانة عنها . فهذا هو القول الكلي والسبب العقلي في وجوب الإنفاق ، وقد سبق أن الأعمال مؤثّرات في القلب ، والقلب بحسب تأثيرها يستعد إما لقبول الهداية ونور المعرفة والإلهام ، وإما لقبول الغواية وظلمة الجهل والوسواس ، ولا يبعد أن يكون قوله تعالى : { وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ * لاَّ يَأْكُلُهُ إِلاَّ ٱلْخَاطِئُونَ } [ الحاقة : 36 - 37 ] . إشارة إلى حال عاقبة عمال الزكاة ومتولي الأوقاف الذين يأكلون حقوق المساكين من غير استيهال ولا اضطرار .