Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 57, Ayat: 2-2)

Tafsir: at-Tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

المالك للشي : هو المتصرف فيه بأي وجه أراد من التصرف ، وهذا بالحقيقة لا يكون إلاَّ لمن له ذات ذلك الشيء بحيث يحييه ويميته إذا أراد ، وإلاَّ لكان تصرفه متوقفاً على تأثير سبب مبائن ، فلا يكون له التصرف بأي وجه شاء ، بل ببعض وجوه التصرف . فالمالك بالحقيقة من له ذات كل شيء ، فعبّر عن الجميع بالأجسام العظام ، لأنها الجليّة المكشوفة الواقعة في عالم الشهادة . وفي قوله تعالى : { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ، إشعار لطيف بما ذكر ، وبرهان شريف عليه ، لأن الموجودات مرتبطة بعضها ببعض ، متوقفة بعضها على بعض كأعضاء بدن واحد ، فلو لم يكن الباري موجداً للكل ، لم يكن مالكاً للبعض بالحقيقة . مُكاشفة واعلم أن الموجود قد يكون وجوده لنفسه ، وقد يكون لشيء آخر كالأعراض والصُّوَر لأن وجوداتها ليست إلاَّ نعوتاً وأوصافاً لغيرها لا لِذاتها ، بخلاف الأعيان الجوهرية ، لأن ماهياتها ليست نعوتاً لغيرها . والتحقيق : إن وجود الموجودات في أنفسها ليس إلاَّ وجودها له تعالى ، لأن جميعها فعل الحق ، والفعل من حيث هو فعل لاقوام له في نفسه إلاَّ بالفاعل ، وما وُجِد من الأفعال والآثار مستقلة دون ما تصدر عنها ، فليست هي بالحقيقة آثاراً لها ، بل تتعلق بها على نوع آخر من التعلق . وموضع " يُحي " وما ينعطف عليه ، إما مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أو منصوب على أنه حال من الضمير المجرور في : " له " . ويحتمل عدم تعلق هذه الجملة لشيء ، فلا يكون لها موضع من الإعراب ، كقوله : { لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ } . أو معناه : يحي النُطَفَ والبَيْض في الدنيا ، والموتى يوم القيامة ، ويميت الأحياء في الآخرة . وعن أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) : يحيى بالطاعة ويميت بالمعصية . وعن أبي بكر الورّاق : يحيى بالعلم ويميت بالجهل . وعن ابن عباس : يحيى عند البعث ويميت في الدنيا . وهذه الأقوال الثلاثة متقاربة في المعنى ، فإن حياة العلم والطاعة من قبيل حياة الأرواح في الآخرة ، وموت الجهل والمعصية من قبيل موت الأجسام في الدنيا . مُكاشفة إن نوع الإحياء مختلف في النشأتين ، لأنه في الأولى تدريجي وفي الآخرة دَفْعي ، يدل على ذلك قوله تعالى : { وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } [ الروم : 27 ] ، مع كونه على كل شيء قدير بنسبة واحدة من قِبَله ، فلا تتأبى قدرته عن شيء من المقدورات ، كما لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السمٰوات . فإن قلت : ما وجه صدور الإماتة منه تعالى مع كونه محض الرحمة ومنبع الخير والحياة ؟ قلنا : فعلُ الإماتة منه تعالى لكونها مستلزمة للاحياء على وجه أبقى وأشرف ، حسنٌ ، كما أن الأمر بالقصاص لكونه يوجب الحياة على وجه أكثر وأصح ، حسنٌ . أو نقول : موت البدن من ضروريات قوام الروح بذاتها حيّة موجودة بالفعل ، وإن كانت من أرواح الأشقياء المردودين ، وممّن يأتيه الموت من كل مكان وما هو بميّت . ومما يؤيد أن الحياة الآخرة نوع أقوى من الحياة الدنيا قوله تعالى : { فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ } [ ق : 22 ] ، إذ حدّة البصر والبصيرة تدلّ على قوة الحياة والوجود .