Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 86, Ayat: 10-10)
Tafsir: at-Tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
" القوّة " : كالسمع والبصر والنامية والغاذية . و " الناصر " : كالأهل والولد والخيل والبغال ، وكلاهما مسلوبان في النشأة الثانية عن الإنسان ، وذلك لأنّ وجودهما بإمداد الأسباب العَرَضيّة ، والعلل الخارجيّة الإتفاقيّة التي يختصّ وجودها بهذا العالَم ، وهو عالم الموادّ والاستعدادات الناشية عن الجهات القابلة والحركات . وأمّا النشأة الآخرة ، فالمبادي هناك ذاتيّة لا اتّفاقيّة ، والجهات منحصرة في الجهات الفاعليّة الآخذة من المبدأ الأعلى ، فيكون الحقّ متفرّداً في ذلك اليوم بالحكم والاقتدار ، وبه التمكّن والإقدار ، والنصرة والإنتصار ، فلا قوّة ولا منعة للإنسان في ذلك اليوم يمتنع بها ، ولا ناصر ولا دافع يمنع ويذبّ عنه ، لارتفاع النسب الوضعيّة والأنساب العنصريّة البشريّة ، فالأمر يؤمئذ لله ، يغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء ، ليس لأحد غيره ملك ولا سلطان ، ولا قدرة ولا قوّة على شيء ، بل الكلّ يكونون يومئذ مشغولين بأنفسهم { يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهُ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } [ عبس : 34 - 37 ] . فإن قيل : هل فيه دليل على نفي الشفاعة ؟ يقال : لا ، لأنّ الضمير في " لَهُ " راجع إلى الإنسان ، وهو كالمهملة في قوّة الجزئيّة - هذا ما قيل - ، ويخدشه قوله تعالى : { لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } [ عبس : 37 ] لأنّه يدلّ على العموم . والحقّ أنّ الشفاعة لا تثبت إلاّ بعد تحقّق المناسبة الذاتيّة بين الشافع وما يشفع له ، وكون الشافع من الوسائط العقليّة لا الوضعيّة ، فعلى هذا لا تنافي ثبوتها كليّة الحكم المذكور ، إذ السلب من جهة والإيجاب من جهة أخرى كما علمت .