Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 86, Ayat: 13-14)

Tafsir: at-Tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا جواب القسم ، والضمير للقرآن ، يعني أنّ القرآن يفصل بين الحقّ والباطل بالبيان عن كلّ واحد منهما ، ولذلك يقال له : " الفرقان " وهذا هو المرويّ عن الصادق ( ع ) . فإن قلت : لم يسبق ذكر القرآن ليصح إرجاع الضمير إليه . قلت : الأمن من الالتباس مسوِّغ هذا الإضمار ، لأنّ وصف كونه فصلاً ليس بهزل ، مشعر بأنّ المراد هو الكتاب العزيز الذي لا يتأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . وقيل : معناه إنّ الوعد بالبعث والاحياء بعد الموت قول فصل ، أي مقطوع به لا خلاف ولا ريب فيه . ولا يبعد أن يراد بالقول ما هو بمعنى التكوين - على إرادة المفعول - ، ويكون إشارة إلى تحقّق البعث ، وفيه يتميّز المحِقّ من المبِطل ، ولهذا يكون يوم القيامة " يوم الفصْل " لأنّ الآخرة دار الفصْل والتميز والافتراق تتفرّق فيه المختلفات معنى ، وتتميّز فيها المتشابهات صورة - { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ } [ الروم : 14 ] والدنيا دار اشتباه ومغالطة يتشابك فيها الحقّ والباطل ، ويتعانق فيها الخير والشرّ ، والنور والظلمة . وإن صدق على الآخرة أنّها يوم الجمع ، لأنّ هذه الأزمنة والأمكنة الدنيويّة سببان لاحتجاب الكائنات بعضها عن بعض ، فإذا ارتفعا في القيامة ، ارتفعت الحجب بين الخلائق فيجتمع الخلائق كلّهم ، الأوّلون والآخرون { قُلْ إِنَّ ٱلأَوَّلِينَ وَٱلآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } [ الواقعة : 49 - 50 ] فهي يوم الجمع ، ويوم الفَصل ، ولا منافاة بين هذا الجمع وذلك الفصل ، بل هذا يوجب ذاك كما قال سبحانه : { هَـٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَٱلأَوَّلِينَ } [ المرسلات : 38 ] . وَمَا هُوَ - أي القرآن - بالْهَزلِ - بل هو جد كلّه . أو القول بوقوع الساعة ليس مجازفة ، بل أمر يقيني ، وعلى هذا التأويل الذي ذكرناه ، يكون معناه أنّ تكوين القيامة ليس عبثاً ، بل لغرض المجازاة وإصابة كلّ أحد بما قدّمت يداه ، نحو قوله تعالى { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ } [ الأنبياء : 16 ] وذلك لأنّ الهزل والجزاف والعبث ينبئ عن نقصان قابِله أو قصور فاعله ، وأنّه سبحانه هو الكامل المطلق والقيّوم بالحقّ والعزيز العليم ، الذي لا يحام حول سرادقات عزّته وجلاله نقصان . كيف وليست إرادته ومشيّته ناشيتين عن داع زائد على ذاته يقهره وغرض يجبره ، لأنّ كبرياءه أرفع من أن يتطرّق إليه تمثال أحد ، وجنابه أشمخ من أن يتخاطّاه قدم ممكن ، فقد جلَّ جناب الحقّ عن أن يكون شريعة لكلّ وارد ، أو أن يطلع عليه ألاّ واحداً بعد واحد . مناجاة : فانتهي - يا نفس - عن الهزل واللَّدّد ، وتخلّقي بأخلاق الله الواحد الأحد ، واستيقظي عن نوم الغافلين ، وانتبهي من رقدة الجاهلين الذين لا يهمّمهم إلاّ هواهم ، ولا يحركهم إلاّ مُناهم ومشتهاهم { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ } [ الحديد : 16 ] يا نفس دعي الهوى واسلكي سبل ربّك بالهدى ، ألم يأن لكِ وقد شِبتِ وما انتبهتِ ، وبلغتِ سنِّكِ إلى خمسين وما خرجت عن باب عتبتك قدماً إلى منازل القدّيسين . اللَّهمَّ أتمم لنا نورنا ، واغفر لنا ذنوبنا ، إنّك على كل شيء قدير وبإعانة الملهوفين جدير .