Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 86, Ayat: 15-16)

Tafsir: at-Tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الضمير راجع إلى مشركي مكّة ، لأنّ السورة مكيّة ، أي : يعملون المكايد والحيل في إبطال القرآن ، وإطفاء نور الله - وَيَأبى الله إلاَّ أنْ يُتِمَّ نُورَهُ - ، فيكايدهم ويقابلهم بكيده ، أي : يدبّر ما ينقض تدابيرهم ويهدم مكائدهم . وسمّي ذلك كيداً من حيث خفائه عليهم أوّلاً ، وظهوره أخيراً على نحو الاستدراج ونحوه . ولا يبعد أن يراد بالكائدين القوى النفسانيّة وخصوصاً الوهميّة المكّارة المنازعة للقوى القدسيّة في طريق الحقّ ، فإنّها وإن كانت منازعة إيّاها ، إلاّ أنّ الله بإفاضته نور الهدى على قلب عبده المؤمن ، وإعطائه له البرهان النِّير القدسي ، والتأييد التامّ الحدسي ، يغلبها على قواها كلِّها ، ويظهرها عليها ، ويخلّصها من كيد القوى سيّما الوهم الذي هو خليفة الشيطان في عالَم الإنسان ، ويجذبها إلى عالم القدس بإبطال كيد جنود الشيطان ، وجعلها مسخّرة خادمة للقوّة القدسيّة ، مطيعة مناقادة مشايعة معها إلى جناب الحقّ مسلّمة مسالمة ، بعدما كانت أَنِفَةً منازعة متأبّية عن طاعة الحقّ كافرة جاحدة . كشف معنى إسناد الكيد إليه تعالى إسناد الكيد إليه سبحانه من باب المجاز - كما هو الظاهر - ، فتكون العلاقة هي المزاوجة ، كقوله تعالى : { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } [ الشورى : 40 ] . وإطلاق اسم الضدّ على الضِد أو ترتُّب الغاية ، فإنّ أوصافه تعالى الفعليّة في أكثر المواضع إنّما توجد باعتبار الغايات لا باعتبار المبادئ كالرحيم والمنتقم وغيرهما - ممّا لا تنفكّ مباديها عن انفعال وتأثير في الموصوف بها ، فكيده تعالى عبارة عن إنزال المكروه بالمُكيد من حيث لا يشعر ، استعارة من فعل الكايد بمن يكيده . فالمعنى : إنّه تعالى يجازي الذين شمَّروا لإبطال القرآن أو إطفاء نور الرسول الذي هو هدى للناس ورحمة ، أو إبطال نور القوّة القدسيّة التي هي نور يهتدى به في ظلمات بَرِّ المحسوسات ، وبحر المعقولات ، بكيدٍ منه . فيظهر الكتاب على سائر الكتب السماويّة ، ويظهر الدين الذي صدع به على الدين كلّه ولو كره المشركون ، ويقهر النور القدسيّ على ظلمات سائر القوى الوهميّة والخياليّة والحسّية التي بعضُها فوق بعض . ثم أن تقييد الفعلين بالمصدر المؤكّد وتنكيره ، إشعار بأنّ الأمر ذو شأن عظيم وخَطْب جليل . " الحقّ أبلَج والباطل لجلَج " . { وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ إِنَّ ٱلْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً } [ الإسراء : 81 ] .