Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 86, Ayat: 17-17)
Tafsir: at-Tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أمر نبيّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن يمهلهم ، ولا يتصدّى للانتقام منهم ولا يشتغل بمكايدتهم ومماراتهم ، ولا يقدم على مجادتلهم ومباراتهم ، وأن يستظهر بكيد الله عنه ومناضلته دونه ، ومن ثَمَّ جاء بفاء السببيّة ليدلّ على أنّه إذا علم أنّ الله يكيد له ويذبّ عنه لزمه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أمهالهم والوثوق بصنع الله . ويعلم من قوله : " رُوَيْدَاً " أنّ النصرة تأتيه عمّا قريب ، فإنّه اسم للإمهال اليسير . فإن كان المراد عذاب يوم بدر ، فالمعنى " لا تعجل عليّ في طلب هلاكهم ، بل اصبر عليهم قليلاً ، فإنّ الله يجزيهم لا محالة بالقتل والذُلِّ في الدنيا " ، وإن كان المراد عذاب يوم القيامة ونكال الآخرة ، فالمعنى " قلّل الإمهال ولا تعاجلهم بعذاب الله وانتظر بهم ، وارضَ بتدبير الله فيهم وقضائه عليهم ، لأن ما هو كان آتٍ لا محالة فهو قليل " . والنكتة في تكرير أصل اللفظ مع تغيير الهيئة ، إفادة زيادة التسكين منه والتصبير عليه . وقال ابن جني : قوله { فَمَهِّلِ ٱلْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ } غيَّر اللفظ لأنّه آثر التوكيد وكره التكرير ، فلمّا تجشّم إعادة اللفظ انحرف عنه بعض الإنحراف بتغيير المثال ، فانتقل عن لفظ " فعّل " إلى لفظ " أَفعِل " فقال : أمِهلُهم ، فلمّا تجشّم التثليث جاء بالمعنى وترك اللفظ قطعا فقال : " روّيداً " . لمعات رحمانيّة عن أنوار قرآنيّة : إنّ في الآية تنبيهات على علوّ منصب الرسالة وكمال عناية الله في شأن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أحدها : أنّه لم يأمره بمكايدتهم ومماكرتهم إيذاناً بأنّهم ليسوا بمراتب معارضته ، بل هم أقل وأخسُّ وأحقرُ وأذلُّ من أن يتصدّى ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لمدافعتهم وممانعتهم . وثانيها : أنّه قابَل كيدهم بكيده تعالى إشعاراً بأنّه تعالى للرسول بمنزلة المحبّ الموافق للحبيب ، أو الأب الشفيق للولد ، حتّى تكون مخاصمتهم له مخاصمتهم لله تعالى . وثالثها : الإشارة إلى أنّ كلّ من خالف أمره ونهيه أُذِنَ بحربٍ من الله كما إليه الإشارة بقوله : " مَنْ آذى لي وَليَّاً فقد آذنتُه بالحرب " وفي رواية : " من بارَز لي وليّاً فقد بارزني " . فكيف بإيذاء من هو سيّد الأنبياء وأكمل الأولياء ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومبارزته ؟ ورابعها : أنّه تعالى أمره ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بأن يمهلهم ويهملهم ولا يشغل سرّه بدفعهم ومنعهم ، فلا يشوّش ضميره المنير ، ولا يكّدره ، ولا يوزع خاطره الشريف بالتفكّر في خصومتهم ، بل يلتجي في استدفاع مضرّتهم واستكفاء مؤنتهم إلى جناب الحقّ ، ليجازيهم على مكائدهم وساير أفعالِهم السيّئة أسوأ الجزاء ، من غير أن يسعى هو في ذلك ، تعظيماً لشأنه وإجلالاً لمكانه ، واسترفاهاً لِبالِه ، وتصفية لضميره الذي هو محلّ الواردات القدسيّة ومورد السكينات الإلهية . وخامسها : الدلالة بطريق المفهوم على تسلية خاطره ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بأنّه تعالى يبيد أعداءه ، فإنّ المعنى : أمهِلهم أنت ولا تكايدهم ، فإنّي أكفيكَ كيدهم ، وأدفع شرَّهم ، فاكتف بكفايتنا ، واستظهر بعنايتنا ، فإنّا نعصمك من الناس ونكفيك الناس ، ونعيذك من شرّ الوسواس الخنّاس ، كلّ ذلك طمأنينة له وتسكيناً لقلبه المقدّس . وفيه إيماء إلى أنّه ينبغي أن يرفق بالدعوة ، ويدرج في التكميل ، ويمهل المدعوّين ريثما ينظروا ويتفكرّوا ، فعسى أن يهتدي فيهم من قدرت هدايته . وبلفظ الهداية نختم الكلام ، رجاء أن يجعلنا من المهتدين ، حامدين لله على نعمه وسوابغ منحه ، ومصلّين على ملائكته وأنبيائه واوليائه ، خصوصاً على حبيبه محمَّد خاتم النبيّين ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وأهل بيته وعترته الطاهرين ، جعلنا الله من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، بفضله وكرمه ومنّه وجُوده ونعمه .