Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 86, Ayat: 2-3)

Tafsir: at-Tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

كما أنّ حقيقة الإنسان هي روح معناه ، ونفسه الناطقة ، وعقله المدبّر له ، كذلك حقيقة كلّ ذي روح عقليّ ، كما يصحّ إطلاق اسم الإنسان على كلّ من النفس والبدن - وعلى المجموع أيضاً كلّ باعتبار كما حقّق في موضعه - كذلك القياس في اطلاق اللفظ في كلّ ما له روح وجسد ، فحقيقة كلّ كوكب هي نفسه المدبّرة له ، وعقله الفيّاض عليه . فإذا كان الطارق إشارة إلى جنس المفارقات العقليّة ، ينبغي أن يراد بالنجم الثاقب ، عقله الذي يثقب ظلام عالم الإمكان بتنويره وإشراقه على مادّة الكواكب ، ويطرد العدم عن مهيّته بإفاضة وجوده عليها ، كما أنّ جسميّة الكواكب بصورتها النوعيّة وطبيعتها النوريّة الحسية تثقب ظلام عالَم الأجسام بضوئها فينفذ فيه . ولذلك أيضاً يقال للكوكب : " دُرّي " لأنّه يَدْرَءُ الظلمة ، أي : يدفعها . وأمّا وصفه : " بالطارق " فلأنه يبدو بالليل في عالم الحسّ عند احتجاب الشمس عن الأبصار ، كما أنّ الحقيقة العقليّة تبدو على العقل في ظلمة ليل الإمكان وجهة التعيين الإمكاني قبل إشراق شمس الحقيقة على البصائر ، الماحية لأنوار التعيّنات الإمكانيّة الظاهرة على آثار الوجودات الأعيانيّة ، ولذلك يقال في اللغة للآتي ليلاً : " طارق " . وقيل : لأنّه يطرق الجنّي ، أي : يصكّه . وبالجملة ، المراد بحسب عالَم الحسّ ، جنس النجوم ، أو جنس الشهب التي تطرد بها الظلام أو ترجم بها الشياطين ، كما ترجم شياطين النفوس الوهمانيّة عن بلوغ سماء عالَم الحكمة بأنوارها العقليّة . وفي الكشّاف : فإن قلت : ما يشبه قوله : { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلطَّارِقُ ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ } إلاّ ترجمة كلمة بأخرى ، فبيِّن لي : أيّ فائدة تحته ؟ قلت : أراد الله - عزّ من قائل - أن يقسم بالنجم الثاقب تعظيماً له ، لما عرف فيه من عجيب القدرة ولطيف الحكمة ، وأن ينبّه على ذلك ، فجاء بما هو صفة مشتركة بينه وبين غيره وهو : الطارق . ثمّ قال : { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلطَّارِقُ } ، ثمّ فسّره بقوله : { ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ } كلّ هذا إظهار لفخامة شأنه كما قال : { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } [ الواقعة : 75 - 76 ] .