Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 99, Ayat: 4-4)

Tafsir: at-Tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا التحديث منها على سبيل الحقيقة ، لأنّ حقيقة الكلام إبداء ما في الضمير ، وإعلام المكنونات مع الإرادة ، سواء كان بغير لسان مثل كلام الله وكلام الملائكة ، أو بلسان . فالأوّل : بأن ينكشف عنها يوم القيامة دقائق صنع الله فيها ، وعجائب حكمته في خلقها ، والغايات التي خلقت لأجلها ، وسبقت إليها وبعثت لها . وأمّا الثاني : فبعد صيرورتها جوهراً ناطقاً ، أنطقه الله الذي أنطق كلّ شيء ، إذ ما من شيء إلاّ وهو ناطق - إمّا بالفعل أو بالقوّة - ، فيخرج من حد القوّة إلى حدّ الفعل بالحركة الاستكماليّة المعنويّة التي مرّت إليها الإشارة ، كما قال جلّ ذكره : { ٱلَّذِيۤ أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ } [ طه : 50 ] . فهذه الهداية الإلهيّة هي التي يُخرج الله بها الخلائق إلى رحمته ، ويسوق بها عباده إلى رضوانه ، وذلك بعد إدخال كلّ من المكوّنات في باب الإنسانيّة ، إذ هو باب الله الذي منه يؤتى ، وصراطه المستقيم إليه ، فيؤخذ كلّ شيء إليه بالنواصي والأقدام و { مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ هود : 56 ] . والدابّة كلّ ماشٍ ، وما من كائن في العالم إلاّ وهو ماشٍ - كما مرّ - وله حياة وتسبيح خاص ، ويذكر الله باسم خاصّ يمشي به إلى جانب الحقّ ، وهكذا عند صاحب الكشف والشهود . وكلّ ماشٍ فهو على صراط الإنسانيّة ، والحقّ آخذ بناصيته يتصرّف فيه ويجرّه إليه بحسب أسماء يسلك بها إليه ، والكلّ مهتدٍ من هذا الوجه ، والضلال من العوراض الطارية ، كما أنّ الرحمة وسعت كلّ شيء ، والغضب عارض ، فالمآل إلى الرحمة التي وسعت كلّ شيء . وقد انساق الكلام هنا إلى مقام تدقّ عن دركه خواطر الأنام ، بل تضيق عن تحقيقه حواصل أفهام الفضلاء الكرام - فضلاً عن أصحاب اللقلقة والكلام . وفي الكشّاف : هو مجاز عن إحداث الله تعالى فيها من الأحوال ما يقوم مقام التحديث باللسان ، حتّى ينظر من يقول ما لها إلى تلك الأحوال فيعلم لِم زلزلت ولِم لفظت الأموات ، وأنّ هذا ما كان الأنبياء ينذرون به ويحذّرون منه . وقيل : ينطقها الله على الحقيقة ويخبر بما عمل علهيا من خير وشرّ . وروي عن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : " تشهد على كلّ أحد بما عمل على ظهرها " . وهذه الأحوال غير منافية لما ذكرنا ، بل مؤكدة لما بيّنا . وقوله سبحانه : " يَوْمَئِذٍ " ، بدل من : " إذَا " واقع في حيّزه ، فتكونان مَعْمُولَي فعل واحد ينصبهما وهو " تحدّث " ، ويجوز أن ينتصب الأوّل بعامل مضمر مثل " اذكر " أو ما يجري مجراه ، والثاني بتُحَدِّث ، ومفعوله الأوّل محذوف ، والثاني : " أخْبارَها " . وفي قراءة ابن مسعود : تُنبّئ أخبارها . وسعيد بن جبير : " تنبئ " - التخفيف - .