Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 5-5)
Tafsir: Tafsīr Bayān as-saʿāda fī maqāmāt al-ʿibāda
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً } استيناف فى معرض التّعليل للبدءة والاعادة للجزاء او للتّدبير او فى معرض البيان لتدبيره تعالى ، ولم يذكر منازل الشّمس ولا غاية ايجاد ومنافع سيرها لانّها كثيرة لا يحيط بها البيان ولانّ اكثرها مشهودة للعوامّ ولعدم شهرة منازل للشّمس بخلاف القمر { وَٱلْقَمَرَ نُوراً } الفرق بين النّور والضّياء بالعموم والخصوص وحمل الضّياء والنّور للمبالغة او باعتبار ما يرى منهما من انّهما نوران متجوهران { وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ } قدّر له منازل او قدّره ذا منازل او سيّره منازل { لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ } فانّ الاعوام والشّهور فى نظر العوامّ منوطة بدورات القمر دون الشّمس { مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } بسبب الحقّ او بالغاية الحقّة { يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ } قرئ بالغيبة والتّكلّم { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } اى نفصّلها بالبيان وفى الوجود لقوم لهم صفة العلم . اعلم ، ان الانسان من اوّل استقرار نطفته فى الرّحم بل من اوّل تولّد مادّته من العناصر الى زمان بلوغه سالكٌ على الطّريقة القويمة الانسانيّة بتسبيبات آلهيّة ، ومدرك لخيراته بادراك جمادىٍّ او نباتىٍّ او حيوانىٍّ لا بادراكٍ انسانىٍّ ، ولا يسمّى ادراكه ذلك علماً كما لا يسمّى ارداك غير الانسان من المواليد علماً ، فاذا بلغ بهذا السّلوك او ان بلوغه واستغلظ فى بدنه ونفسه وحصل له العقل الّذى هو مدرك خيراته وشروره الانسانيّة ، فان كان ادراكه للاشياء بقدر مرتبته الدّانية وقوّته الضّعيفة من حيث انّها دوالّ قدرته تعالى وآيات حكمته واسباب توجّهه وسلوكه الى الحقّ القديم سمّى اداركه ذلك علماً ، وان لم يكن ادراكه كذلك بل يدرك الاشياء مستقلاّت فى الوجود ولم يدركها من حيث انّها متعلّقات دالاّت على صانعها لم يسمّ علماً ، بل يسمّى جهلاً مشابهاً للعلم ، مثل ان يرى احد من بعيد ظلاًّ لشاخصٍ ويظنّ انّ الظّل شاخص مستقل فى الوجود ، وهذا كما يجرى فى الآيات الجزئيّة الآفاقيّة والانفسيّة يجرى فى الآيات القرآنية والاخبار المعصوميّة والاحكام الشّرعيّة خصوصاً فى حقّ من جعلها وسائل للاغراض الدّنيويّة ، والحاصل انّ كلّ ادراك يكون سبباً لسلوكه الفطرىّ على الطّريق الانسانىّ ولاشتداد مداركه الانسانيّة وازدياد ادراكاته الاخرويّة يسمّى علماً ، وكلّ ادراك يكون سبباً لوقوفه عن السّلوك او لرجوعه عن الطّريق الى الطرق السّفلية الحيوانيّة يكون جهلاً بل الجهل السّاذج يكون افضل منه بمراتب ؛ اذا تقرّر هذا فتفصيل الآيات تكويناً وتدويناً لا يكون الغرض منه الاّ ادراك من له صفة العلم لعدم انتفاع الغير به .