Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 15-21)

Tafsir: Tafsīr al-Aʿqam

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ولقد اتينا داوود وسليمان علماً وقالا الحمد لله الذي فضّلنا على كثير من عباده المؤمنين } بالنبوة والمعجزة والملك { وورث سليمان داوود } نبوته وعلمه وملكه دون سائر بنيه وكانوا تسعة عشر ، وكان داوود أكثر تعبداً ، وسليمان أقضى وأشكر لنعمة الله { وقال يا أيها الناس عُلّمنا منطق الطير } وكان ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يفهم المراد بمعاني نغماتها والذي علمه سليمان ، ويحكي أنه مرَّ على بلبل في شجر يحرك رأسه ، ويميل ذنبه فقال لأصحابه : أتدرون ما يقول ؟ فقالوا : الله ونبيه أعلم ، قال : يقول : أكلت نصف تمرة فعلى الدنيا العفاء وصاح طاووس فقال : يقول : كما تدين تدان ، وصاح هدهد فقال : يقول : استغفروا الله يا مذنبين ، والديك يقول : اذكروا الله ، والنسر يقول : يابن آدم عش ما شئت آخرك الموت ، والعقاب يقول : في البعد من الناس أنس { وأوتينا من كل شيء } علماً ، وقيل : من الملك والنبوة والكتاب والتسخير { إن هذا لهو الفضل المبين } الظاهر من الله علينا { وحشر لسليمان جنوده } أي جمع لسليمان جنوده { من الجن والإِنس والطير فهم يوزعون } أي يحشر أولهم على آخرهم ، وروي أن معسكره كان مائة فرسخ في مائة فرسخ خمسة وعشرون للجن ، وخمسة وعشرون للإِنس ، وخمسة وعشرون للطير ، وخمسة وعشرون للوحش ، وكان له ألف بيت من قوارير على الخشب فيها ثلاثمائة منكوحة وسبعمائة سرية ، وقد نسجت له الجن بساطاً من ذهب وابرسم فرسخاً في فرسخ وكان موضع منبره في وسطه وهو من ذهب فيقعد عليه وحوله ستمائة ألف كرسي من ذهب وفضة ، فتقعد الأنبياء على كراسي الذهب ، والعلماء على كراسي الفضة وحولهم الناس ، وحول الناس الجن والشياطين ، فتظله الطير بأجنحتها حتى لا تقع عنه الشمس ، وترفع ريح الصبا البساط فتسيره ، وروي أنه كان يأمر الريح العاصف تحمله ويأمر الرخاء فتسيّره ، فأوحى الله إليه وهو يسير بين السماء والأرض إني قد زدت في ملكك لا يتكلم أحد بشيء إلاَّ ألقته الريح في أذنه ، فنزل ومشى إلى الحراث وقال : أنا مشيت إليك لئلا تتمنى ما لا تقدر عليه ، ثم قال : تسبيحة واحدة تقبّلها الله خير مما أوتي آل داوود ، وروي أنه كان يقعد على البساط وهو على كرسي وحوله العلماء والناس { حتى إذا أتوا على واد النمل } ، قيل : هو بالطائف ، وقيل : وادي النمل بالشام { قالت نملة } ، قيل : كانت ذات جناحين فسمع سليمان كلامها من ثلاثة أميال { يأيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون } أي لا يعلمون بكم { فتبسم ضاحكاً من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه } وذلك أن سليمان لما سمع النملة أمر الرياح فوقفت لئلا يذعرون حتى دخلن مساكنهن ثم دعى بالدعوة ، ومعنى { وادخلني برحمتك في عبادك الصالحين } يعني واجعلني من أهل جنّتك مع عبادك الصالحين ، ثم ذكر تعالى ما جرى لسليمان مع الهدهد فقال سبحانه : { وتفقّد الطير } أي طلبها وبحث منها { فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين } وذكر في قصة الهدهد أن سليمان حين تمّ له بناء بيت المقدس تجهز للحج بحشره ، فوافى الحرم وأقام به ما شاء الله وكان يقرّب كل يوم طول مقامه بخمسة آلاف ناقة وخمسة آلاف بقرة وعشرين ألف شاة ، ثم عزم على المسير إلى اليمن ، فخرج من مكة صباحاً ، فوافى صنعاء عند الزوال ، فرأى أرضاً حسناء أعجبه خضرتها ، فنزل يتعبد ويصلي فلم يجد الماء ، وكان يرى من تحت الأرض كما يرى الماء في الزجاج ، فتجيء الشياطين فيسلخونها كما يسلخ الإِهاب ، وتفقد الطير لذلك ، وحين نزل سليمان حلّق الهدهد فرأى هدهداً رافعاً فانحط إليه ، فوصف له ملك سليمان وما سخّر له من كل شيء ، وذكر له صاحبه ملك بلقيس وأن تحت يدها اثني عشر ألف قائد تحت يد كل قائد مائة ألف ، وذهب معه لينظر فما رجع إلا بعد العصر ، فذكر أنه وقعت نفحة من الشمس على رأس سليمان فنظر فإذا موضع الهدهد خالياً ، فدعا عفريت الطير وهو النسر فسأله عنه فلم يجد عنده علمه ، ثم قال لسيّد الطير وهو العقاب عليَّ به ، فارتفعت فنظرت فإذا هو مقبل فقصدته ، فناشدها بالله وقال : سألتك بالله الذي قواك وأقدرك عليَّ ألا رحمتني ، فتركته وقالت : ثكلتك أمك ان نبي الله قد حلف ليعذبنك ، قال : وما استثنى ؟ قالت : بلى ، أو ليأتيني بعذر بيّن ، فلما قرب من سليمان أرخى ذنبه وجناحه مكرها على الأرض تواضعاً له ، فلما دنا منه أخذ برأسه فمده إليه فقال : يا نبي الله اذكر وقوفك بين يدي الله ، فارتعد سليمان وعفى عنه ، قيل : كان يعذب سليمان الطير أن ينتف ريشه ويشمسه ، وقيل : يلقيه في واد النمل ، وقيل : بل يفرق بينه وبين الفه { أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين } .