Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 110-115)
Tafsir: Tafsīr al-Aʿqam
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك } وما أظهره عليك من الآيات العظام { وعلى والدتك إذ أيدتك } أي قويتك { بروح القدس } ، قيل : هو جبريل ، وقيل : الاسم الأعظم الذي كان يحيي به الموتى { تكلم الناس في المهد } وهو طفل { وكهلاً } وهو عند كمال العقل وبلوغ الأشد والوقت الذي تستنبأ فيه الأنبياء ، قال جار الله : فإن قلتَ : ما معنى قوله : { في المهد وكهلاً } ؟ قلتُ : معناه كلمهم في هاتين الحالتين من غير أن يتفاوت كلامه في حال الطفولية وحال الكهولية ، قوله تعالى : { وإذ علمتك الكتاب } الخط { والحكمة } الكلام المحكم الصواب ، قوله تعالى : { كهيئة الطير } أي هيئة مثل هيئة الطير { بإذني } بتسهيلي { فتنفخ فيها } قال جار الله : الضمير للكاف لأنها صفة للهيئة التي كان يخلقها عيسى ( عليه السلام ) وينفخ فيها فلا يرجع إلى الهيئة المضاف اليها لأنها ليست من خلقه ولا نفخه في شيء وكذلك الضمير في فيكون { وتبرئ الأكمه والأبرص } ، قيل : الذي يخرج أعمى ، وقيل : الأعمش { وإذ كففت بني إسرائيل عنك } هم اليهود حين همّوا بقتله { وإذ تخرج الموتى بإذني } تخرجهم من القبور وتبعثهم قيل : اخرج سام بن نوح ورجلين وامرأة وجارية { وإذ أوحيت إلى الحواريِّين } أمرتهم على ألسنة الرسل { واشهد بأننا مسلمون } ، من قوله : { من أسلم وجهه لله } ، وقوله : { مسلمون } مخصلون والحواريون خواص أصحاب عيسى ( عليه السلام ) قال الحسن : كانوا قصارين ، وقال مجاهد : كانوا صيادين ، قوله تعالى : { إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك } قال جار الله : فإن قلتَ : كيف قالوا : { هل يستطيع } بعد إيمانهم وإخلاصهم ؟ قلتُ : ما وصفهم الله بالايمان والاخلاص وإنما حكى ادعاءهم لذلك ، وقوله : { هل يستطيع ربك } كلام لا يرد مثله عن مؤمنين مطيعين لربهم ، ولذلك قال ( عليه السلام ) : { اتقوا الله إن كنتم مؤمنين } ، ولا تشكّوا في اقتداره واستطاعته ولا تقترحوا عليه الآيات فتهلكوا إذا عصيتموه بعدها { إن كنتم مؤمنين } أي كانت دعواكم للإِيمان صادقة { قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا } ، قال جار الله : من الشاهدين نشهد عليها عند الذين لم يحضروها من بني إسرائيل { ونكون عليها من الشاهدين } لله تعالى بالوحدانية ولك بالنبوة عاكفين عليها وكانت دعواهم لارادة ما ذكروا كدعواهم للإِيمان والإِخلاص وإنما سأل عيسى ( عليه السلام ) وأجيب ليلتزموا الحجة بكمالها ويرسل عليهم العذاب إذا خالفوا { قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا انزل علينا مائدة من السماء } قال جار الله : أصله يا الله فحذف حرف النداء { تكون لنا عيداً } أي يكون يوم نزولها عيداً ، قيل : هو يوم الأحد ومن ثم اتخذه النصارى عيداً ، وقيل : العيد السرور العائد ، ولذلك يقال : يوم عيد فكان معناه يكون لنا سروراً وفرحاً { لأولنا وآخرنا } أي لمن في زماننا من أهل ديننا ولمن يأتي بعدنا ، وقيل : يأكل منها آخر الناس كما يأكل منها أولهم ، قال الله مجيباً لعيسى ( عليه السلام ) : { إني منزلها عليكم } يعني المائدة { فمن يكفر بعد منكم } أي بعد نزولها { فإني أعذبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين } عالمي زمانهم ، فجحد القوم ، وكفروا بعد نزول المائدة ، فمسخوا قردة وخنازير ، وروي أن عيسى ( عليه السلام ) لما أراد الدعاء لبس صوفاً ثم قال : { اللهم انزل علينا مائدة من السماء } والمائدة الخوان عليها الطعام ، فنزلت سفرة حمراء بين غمامتين غمامة فوقها وأخرى تحتها وهم ينظرون إليها حتى سقطت بين أيديهم فبكى عيسى ( عليه السلام ) وقال : اللهم اجعلني من الشاكرين ، اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها مثلة وعقوبة ، فقال لهم : ليقم أحسنكم عملاً فيكشف عنها ويذكر اسم الله عليها ويأكل منها ، قال شمعون كبير الحواريين : أنت أولى بذلك يا روح الله ، فقام عيسى ( عليه السلام ) فتوضأ وصلى وبكى ثم كشف المنديل فقال : بسم الله خير الرازقين فإذا سمكة مشوية بلا فلوس ولا شوك تسيل دسماً ، وعند رأسها ملح ، وعند ذنبها خل ، وحولها البقول ما خلا الكراث ، وإذا خمسة أرغفة على واحد منها زيتون ، وعلى الثاني عسل ، وعلى الثالث سمن ، وعلى الرابع جبن ، وعلى الخامس قديد ، قال شمعون : يا روح الله أمن طعام الدنيا أم من طعام الآخرة ؟ فقال : ليس شيء منهما ، ولكنه شيء اخترعه الله تعالى بالقدرة الغالبة ، كلوا مما سألتم ، واشكروا الله يمددكم ويزدكم من فضله ، قال الحواريون : يا روح الله لو أريتنا من هذه الآية آية أخرى ، فقال عيسى ( عليه السلام ) : يا سمكة أحيي بإذن الله تعالى ، فاضطربت ، ثم قال لها : عودي كما كنت ، فعادت مشوية ، ثم طارت المائدة ، روي ذلك في الكشاف المتقدم ، وقيل : تنزل كل يوم مرة ، وقيل : كانت بكرة وعشياً ، وقيل : كانت غبَّاً تنزل يوم دون يوم ، قيل : أقامت أربعين يوم يأكل منها خمسة آلاف نفس كل يوم فخانوا وادخروا فرفعت ، وقيل : كانت فيها جبن وسكر ، وقيل : ثمار من ثمار الجنة ، وقيل : كان عليها من كل الطعام إلا اللحم ، وقيل : كان في السمكة طعم كل شيء ، وروي : أن ما أحد أكل منها من أهل العلل إلا برئ ثم عصوا بعدها فمسخوا قردة وخنازير ، وروي : أنهم لما سمعوا بالشريطة وهي قوله : { فمن يكفر بعد منكم } قالوا : لا نريد فلم تنزل ، وعن الحسن : والله ما نزلت ولو نزلت لكانت عيد إلى يوم القيامة ، لقوله : { وآخرنا } ، قال جار الله : والصحيح أنها نزلت ، وروى الثعلبي : أنها أقبلت الملائكة بمائدة يحملونها عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات حتى وضعوها بين أيديهم أكل منها آخر الناس كما أكل منها أولهم ، وروي فيه أيضاً : كانت المائدة إذا وضعت بين يدي بني إسرائيل اختلفت عليهم الأيدي من السماء بكل طعام إلا اللحم ، وروي : أن ما أحد أكل منها من أهل العلل إلاَّ برئ ، ولا فقير إلا استغنى ، وروي أنها كانت إذا نزلت اجتمع اليها الناس الكبار والصغار والفقراء والأغنياء والرجال والنساء ، فأوحى الله تعالى إلى عيسى ( عليه السلام ) أن اجعل رزقي ومائدتي للفقراء لا الأغنياء فعظم ذلك على الأغنياء حتى شكوا فقال لهم عيسى ( عليه السلام ) : هلكتم فشمروا لعذاب الله تعالى ، وروي أنه مسخ منهم ثلاثمائة وثلاثون رجلاً أصبحوا خنازير يسعون في الكناسات ، وقيل : كانوا خمسة آلاف رجل ما فيهم من امرأة ولا صبي ، فلما نظرت الخنازير إلى عيسى ( عليه السلام ) بكت وجعل عيسى ( عليه السلام ) يدعوهم بأسمائهم واحداً واحداً فيبكون ولا يقدرون على الكلام ، روى ذلك الثعلبي .