Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 47-53)

Tafsir: Tafsīr al-Aʿqam

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً } وهم أهل مكة حين نفروا لحماية العير ، وأتاهم رسول أبو سفيان بالجحفة أن ارجعوا فقد سلمت عيركم ، فأتى أبو جهل وقال : حتى نقدم بدر ونشرب فيها الخمور ، وننحر الجزور ، ونطعم الطعام من حضرنا من العرب ، وتعزف علينا القينات ، فذلك بطرهم { ورئاء الناس } وكان بدر موسماً من مواسم العرب يجتمع اليه لهم به سوق كل عام ، فيقيموا ثلاثة أيام فسقوا كؤوس المنايا مكان الخمور ، وناحت عليهم النوائح مكان القينات { ويصدون عن سبيل الله } عطف على قوله : بطراً { وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم } التي فعلوها في معاداة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) { وقال لا غالب لكم اليوم من الناس } ، قيل : زين لهم بذلك بوسوسته ، وقيل : ظهر في صورة سراقة بن مالك بن جعشم الشاعر الكناني وكان من أشراف كنانة وقال : لا غالب لكم اليوم من الناس وإني مجيركم من بني كنانة ، قال في الثعلبي : وذلك أن قريشاً لما اجتمعت للمسير ذكرت الذي بينها وبين كنانة فجاء ابليس في جند من الشياطين معه راية في صورة سراقة { فلما تراءت الفئتان } التقى الجمعان ورأى إبليس الملائكة ينزلون من السماء وعلم أنه لا طاقة لهم به { نكص على عقبيه } يعني ولى مدبراً ، وقيل : كانت يده في يد الحرث بن هشام ، فلما نكص قال له الحرث : إلى أين أتخذلنا في هذه الحال ؟ فقال : { اني أرى ما لا ترون } ودفع في صدر الحرث وانطلق وانهزموا ، فلما بلغوا مكة قالوا : هزم الناس سراقة ، فبلغ ذلك سراقة فقال : والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم ، فقالوا : هو الشيطان ، فقال الشيطان : { إني أخاف الله } فقال له الحرث : هلا كان هذا أمس { والله شديد العقاب } ، قال بعضهم : هذه حكاية عن ابليس ، وقال آخرون : انقضى الكلام عند قوله إني أخاف الله ، ثم قال الله : { والله شديد العقاب } { والذين في قلوبهم } مرض يعني شك ونفاق غرّ هؤلاء دينهم الآية ، نزلت في الذين نافقوا في المدينة ، وقيل : في قوم من قريش ، وقيل : هم قوم كانوا بمكة مستضعفين فلما خرجت قريش إلى بدر أخرجوهم كرهاً ، فلما نظروا إلى قلَّة المسلمين ارتدوا وقالوا : { غرّ هؤلاء دينهم } ثم قال جواباً لهم : { ومن يتوكل على الله } أي يفوض أمره إلى الله تعالى { فإن الله عزيز حكيم ولو ترى } تعاين يا محمد { إذ يتوفى } الملائكة يعني يقبضون أرواحهم عند الموت ، قيل : بيوم بدر ، وقيل : هم هؤلاء المنافقون الذين قالوا { غر هؤلاء دينهم } ، وقيل : جميع الكفار { يضربون وجوههم } ما أقبل منهم { وأدبارهم } ما أدبر وتقديره ويضربون وجوههم بالسيوف ، وإذا ولّوا أدركتهم الملائكة فيضربون أدبارهم { وذوقوا } فيه إضمار ومعناه وتقول الملائكة ذوقوا { عذاب الحريق } { ذلك بما قدمت أيديكم } كسبت وعملت { وأنَّ الله ليس بظلاَّم للعبيد } لا يأخذهم من غير جرم { كدأب آل فرعون } الآية نزلت في أهل مكة لما أخرجوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثم قتلوا يوم بدر ، كدأب آل فرعون أي كعادة آل فرعون أي قومه وأتباعه ، وقيل : كعادة الله تعالى في آل فرعون وسائر الكفار أن يهلكهم الله تعالى إذ كذبوا ، قوله : { فأخذهم الله بذنوبهم } أي فعاقبهم { ذلك } يعني ما فعلناه بالمشركين من العقوبة إنما فعلناه لكفرهم ولاء غيروا ما أنعم الله عليهم { بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم } ، وقيل : أراد به هل مكة بعث الله إليهم محمداً فغيروا نعمة الله وتغييرها كفرها وترك شكرها .