Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 216-217)
Tafsir: Tafsīr Furāt al-Kūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتَالُ } أي فرض عليكم القتال { وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } . قال الحسن : إذا أتيت ما أمر الله من طاعته فهو خير لك ، وإذا كرهت ما نهاك الله عن معصيته فهو خير لك . وإذا أصبت ما نهى الله عنه من معصيته فهو شرّ لك ، وإذا كرهت ما أمر الله به من طاعته فهو شر لك . وكان أصل هذا في الجهاد . كان المؤمنون كرهوا الجهاد في سبيل الله وكان ذلك خيراً لهم عند الله . قال الكلبي : وكان هذا حين كان الجهاد فريضة ، فلم يقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أظهر الله الإِسلام فصار الجهاد تطوّعاً . فإن جاء المسلمين عدو لا طاقة لهم به تحيزوا إلى البصرة . وإنما قالوا تحيزوا إلى البصرة ، لأنه كان بالبصرة . فإن جاءهم عدو لا طاقة لهم به تحيزوا إلى الشام ، فإن جاءهم عدوّ لا طاقة لهم به تحيّزوا إلى المدينة . فإن جاءهم عدو لا طاقة لهم به فليس ثَم تحيّز وصار الجهاد فريضة . ذكروا أن رجلاً سأل بعض السلف أيام الكرك ، وكانوا قد دخلوا يومئذ في جدة فقال : إن لي والدة أفأخرج إلى قتال الكرك . قال : كنا نقول : إذا هجم عليكم العدو فقد وجب عليك القتال . وقال الكلبي في قوله : { وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } أي : علم أنه سيكون منكم من يقاتل في سبيل الله فيستشهد . قوله : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ } قال الحسن : إنما سألوا عن قتال فيه . وهذا تقديم وتأخير : يقول : يسألونك عن الشهر الحرام وعن المسجد الحرام عن قتال فيه . وذلك أن مشركي العرب " سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشهر الحرام عن قتال فيه ، ليعلموا أهو على تحريمه ذلك أم لا ؛ فقالوا : يا محمد ، أنهيت عن قتالنا في الشهر الحرام ؟ فقال : نعم " ، فأرادوا إن كان على تحريمه اغتزوه فقاتلوه . فقال الله : { قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ } وهذا منسوخ ، كان قبل أن يؤمر بقتالهم عامة . { وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ } أي كفر بالله { وَالمَسْجِدِ الحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللهِ } اي : إخراج أهل المسجد الحرام ، وهو الحرم كله ، يعني إخراج النبي والمؤمنين أخرجهم المشركون أكبر من قتالهم . فقال الله : { الشَّهْرُ الحَرَامُ بِالشَّهْرِ الحَرَامِ وَالحُرُمَاتُ قِصَاصٌ } [ البقرة : 194 ] . ذكر الحسن قال : { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } فاسْتَحَلّوا منكم القتل { فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ } أي : فاستحِلوا منهم ، أي جاوزوا ما كنتم تحرِّمون منهم قبل ذلك . قال بعض المفسّرين : ذكر لنا أن واقد بن عبد الله التميمي ، وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قتل عمرو بن الحضرمي ، رجلاً من المشركين ، في أول يوم من رجب ، فعيّر المشركون أصحاب النبي عليه السلام ، فأنزل الله { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللهِ } . يقول الصد عن سبيل الله والكفر بالله أشد من القتل في الشهر الحرام . وإخراج أهله ، يعني محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه أكبر عند الله . ثم عيَّر المشركون بأعمالهم ، أعمال السوء ، فقال : { وَالفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ القَتْلِ } . قال مجاهد : أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً في سرية ، فمرّ بابن الحضرمي وهو يحمل خمراً من الطائف إلى مكة ، فرماه بسهم فقتله . وكان بين نبي الله وبين قريش عهد ، فقتله آخِرَ ليلة من جمادى الثانية وأول ليلة من رجب ؛ فقالت قريش : أفي الشهر الحرام ولنا عليكم عهد ؟ فأنزل الله : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالمَسْجِدِ الحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْه } ، يعني النبي وأصحابه ، فهذا كله أكبر من قتل ابن الحضرمي ، والفتنة ، أي : الكفر بالله وعبادة الأوثان ، أكبر من هذا كله . وقد كان المسلمون أخذوا بعض من كان مع ابن الحضرمي أخذا ، وأفلت أحدهم ، وهو نوفل بن عبد الله ، فسبقهم إلى مكة فأخبرهم بالذي صنع أصحاب محمد ، فأمسوا فنظروا إلى هلال رجب ، فلم يستطيعوا الطلب . ومضى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدموا المدينة بأسراهم وبالذي أصابوا . فلما أمسى أصحاب رسول الله من يوم أصابوا ابن الحضرمي نظروا إلى هلال رجب ، فكانوا في شك : في جمادى أصابوه أو في رجب . وأقبل المشركون من أهل مكة على من كان بها من المسلمين يعيِّرونهم بالذي فعل إخوانهم من قتل ابن الحضرمي ، وأخذهم الأموال والأسارى ، وقالوا : عمدتم إلى شهر يأمن فيه الخائف ، وتربط فيه الخيل ، وتوضع فيه الأسنة ، ويتفرغ فيه الناس إلى معايشهم ، فسفكتم فيه الدماء ، وأخذتم الأسارى ، وذهبتم بالأموال ، وأنتم زعمتم أنكم على دين الله . فكتب المسلمون من أهل مكة إلى عبد الله بن جحش بالذي عيّرهم به المشركون ، فكلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : قتلنا ابن الحضرمي ، فلما أمسينا نظرنا إلى هلال رجب ، فلا ندري أفي رجب قتلناه أم في جمادى الأخيرة . وقد عيّرنا المشركون بذلك ، أفحلال ما أصبنا أم حرام ؟ فنزلت : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ } … إلى قوله : { وَالفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ القَتْلِ } أي : أكبر عند الله من قتل ابن الحضرمي . وقال : الفتنة الشرك . وكان هذا قبل أن يؤمر بقتالهم عامة . قال : { وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا } ولن يستطيعوا . قال : { وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ } أي بطلت ، { أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ } أي : أهل النار { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } . ذكروا عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من بدل دينه فاقتلوه " .